للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ مَا جَاءَ فِي شَهَادَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ بِالْوَصِيَّةِ فِي السَّفَرِ

ــ

[نيل الأوطار]

تُمْنَعُ. قَوْلُهُ: (وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْقَانِعِ لَأَهْلِ الْبَيْتِ) هُوَ الْخَادِمُ الْمُنْقَطِعُ إلَى الْخِدْمَةِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِلتُّهْمَةِ بِجَلْبِ النَّفْعِ إلَى نَفْسِهِ، وَذَلِكَ كَالْأَجِيرِ الْخَاصِّ. وَقَدْ ذَهَبَ إلَى عَدَمِ قَبُولِ شَهَادَتِهِ لِلْمُؤَجَّرِ لَهُ الْهَادِي وَالْقَاسِمُ وَالنَّاصِرُ وَالشَّافِعِيُّ، قَالُوا: لِأَنَّ مَنَافِعَهُ قَدْ صَارَتْ مُسْتَغْرَقَةً فَأَشْبَهَ الْعَبْدَ

وَقَدْ حُكِيَ فِي الْبَحْرِ الْإِجْمَاعُ عَلَى عَدَمِ قَبُولِ شَهَادَةِ الْعَبْدِ لَسَيِّدِهِ قَوْلُهُ: (وَلَا زَانٍ وَلَا زَانِيَةٍ) الْمَانِعُ مِنْ قَبُولِ شَهَادَتِهِمَا الْفِسْقُ الصَّرِيحُ. وَقَدْ حُكِيَ فِي الْبَحْرِ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهَا لَا تَصِحُّ الشَّهَادَةُ مِنْ فَاسِقٍ لَصَرِيحِ قَوْله تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ} [الطلاق: ٢] وَقَوْلِهِ: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ} [الحجرات: ٦] اهـ. وَاخْتُلِفَ فِي شَهَادَةِ الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ وَالْعَكْسُ فَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالشَّعْبِيُّ وَزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وَالْمُؤَيَّدُ بِاَللَّهِ وَالْإِمَامُ يَحْيَى وَالثَّوْرِيُّ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ وَعَلَّلُوا بِالتُّهْمَةِ فَكَانَ كَالْقَانِعِ. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَشُرَيْحٌ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْعِتْرَةُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ لَهُ: إنَّهَا تُقْبَلُ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {ذَوَيْ عَدْلٍ} [الطلاق: ٢] وَهَكَذَا وَقَعَ الْخِلَافُ فِي شَهَادَةِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لَلْآخَرِ لِتِلْكَ الْعِلَّةِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْقَرَابَةَ وَالزَّوْجِيَّةَ مَظِنَّةٌ لَلتُّهْمَةِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِمَا الْمُحَابَاةُ

وَحَدِيثُ " وَلَا ظَنِينٍ " الْمُتَقَدِّمُ يَمْنَعُ مِنْ قَبُولِ شَهَادَةِ الْمُتَّهَمِ، فَمَنْ كَانَ مَعْرُوفًا مِنْ الْقَرَابَةِ وَنَحْوِهِمْ بِمَتَانَةِ الدِّينِ الْبَالِغَةِ إلَى حَدٍّ لَا يُؤَثِّرُ مَعَهَا مَحَبَّةُ الْقَرَابَةِ فَقَدْ زَالَتْ حِينَئِذٍ مَظِنَّةُ التُّهْمَةِ وَلَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، فَالْوَاجِبُ عَدَمُ الْقَبُولِ لِشَهَادَتِهِ لِأَنَّهُ مَظِنَّةٌ لِلتُّهْمَةِ قَوْلُهُ: (لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ بَدَوِيٍّ عَلَى صَاحِبِ قَرْيَةٍ) الْبَدَوِيُّ: هُوَ الَّذِي يَسْكُنُ الْبَادِيَةَ فِي الْمَضَارِبِ وَالْخِيَامِ وَلَا يُقِيمُ فِي مَوْضِعٍ خَاصٍّ، بَلْ يَرْتَحِلُ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان، وَصَاحِبُ الْقَرْيَةِ هُوَ الَّذِي يَسْكُنُ الْقُرَى، وَهِيَ الْمِصْرُ الْجَامِعُ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: إنَّمَا كَرِهَ شَهَادَةَ الْبَدَوِيِّ لَمَا فِيهِ مِنْ الْجَفَاءِ فِي الدِّينِ وَالْجَهَالَةِ بِأَحْكَامِ الشَّرْعِ، وَلِأَنَّهُمْ فِي الْغَالِبِ لَا يَضْبِطُونَ الشَّهَادَةَ عَلَى وَجْهِهَا

قَالَ الْخَطَّابِيِّ: يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا كَرِهَ شَهَادَةَ أَهْلِ الْبَدْوِ لَمَا فِيهِمْ مِنْ عَدَمِ الْعِلْمِ بِإِتْيَانِ الشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا وَلَا يُقِيمُونَهَا عَلَى حَقِّهَا لِقُصُورِ عِلْمِهِمْ عَمَّا يُغَيِّرُهَا عَنْ وَجْهِهَا، وَكَذَلِكَ قَالَ أَحْمَدُ. وَذَهَبَ إلَى الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَذَهَبَ الْأَكْثَرُ إلَى الْقَبُولِ. قَالَ ابْنُ رَسْلَانَ: وَحَمَلُوا هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى مَنْ لَمْ تُعْرَفْ عَدَالَتُهُ مِنْ أَهْلِ الْبَدْوِ، وَالْغَالِبُ أَنَّهُمْ لَا تُعْرَفُ عَدَالَتُهُمْ اهـ. وَهَذَا حَمْلٌ مُنَاسِبٌ لِأَنَّ الْبَدَوِيَّ إذَا كَانَ مَعْرُوفَ الْعَدَالَةِ كَانَ رَدُّ شَهَادَتِهِ لَعِلَّةِ كَوْنِهِ بَدْوِيًّا غَيْرَ مُنَاسِبٍ لِقَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ؛ لِأَنَّ الْمَسَاكِنَ لَا تَأْثِيرَ لَهَا فِي الرَّدِّ وَالْقَبُولِ لِعَدَمِ صِحَّةِ جَعْلِ ذَلِكَ مَنَاطًا شَرْعِيًّا وَلِعَدَمِ انْضِبَاطِهِ، فَالْمَنَاطُ هُوَ الْعَدَالَةُ الشَّرْعِيَّةُ إنْ وُجِدَ لِلشَّرْعِ اصْطِلَاحٌ فِي الْعَدَالَةِ وَإِلَّا تَوَجَّهَ الْحَمْلُ عَلَى الْعَدَالَةِ اللُّغَوِيَّةِ، فَعِنْدَ وُجُودِ الْعَدَالَةِ يُوجَدُ الْقَبُولُ وَعِنْدَ عَدَمِهَا يُعْدَمُ، وَلَمْ يُذْكَرْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَنْعُ مِنْ شَهَادَةِ الْبَدَوِيِّ إلَّا لِكَوْنِهِ مَظِنَّةً لِعَدَمِ الْقِيَامِ بِمَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ الْعَدَالَةُ وَإِلَّا فَقَدْ قَبِلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>