للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ اسْتِحْلَافِ الْمُنْكِرِ إذَا لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ وَأَنَّهُ لَيْسَ لَلْمُدَّعِي الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا

ــ

[نيل الأوطار]

فَقَالَ: أَنَا حَدَّثْتُ بِهِ أَبَا بُرْدَةَ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَالْخَطِيبُ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ عَنْ سِمَاكٍ مُرْسَلًا. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ تَمِيمِ بْنِ طُرْفَةَ «أَنَّ رَجُلَيْنِ ادَّعَيَا بَعِيرًا فَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً أَنَّهُ لَهُ فَقَضَى بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُمَا» وَوَصَلَهُ الطَّبَرَانِيُّ بِذِكْرِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ فِيهِ بِإِسْنَادَيْنِ فِي أَحَدُهُمَا الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ، وَالرَّاوِي عَنْهُ سُوَيْد بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَفِي الْآخَرِ يَاسِينُ الزَّيَّاتُ وَالثَّلَاثَةُ ضُعَفَاءُ، كَذَا قَالَ الْحَافِظُ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِ السُّنَنِ حَاكِيًا عَنْ النَّسَائِيّ أَنَّهُ قَالَ: هَذَا خَطَأٌ. وَمُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ الْمِصِّيصِيِّ هُوَ صَدُوقٌ إلَّا أَنَّهُ كَثِيرُ الْخَطَأِ. وَذَكَرَ أَنَّهُ خُولِفَ فِي إسْنَادِهِ وَمَتْنِهِ. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: وَلَمْ يُخْرِجْهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ، وَإِنَّمَا أَخْرَجَهُ بِأَسَانِيدَ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ انْتَهَى وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو دَاوُد لِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى ثَلَاثَةَ أَسَانِيدَ لَيْسَ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ. وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَخْرَجَ الرِّوَايَةَ الثَّانِيَةَ عَنْهُ النَّسَائِيّ أَيْضًا. وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ عَزَاهَا الْمُنْذِرِيُّ إلَى الْبُخَارِيِّ. قَوْلُهُ: «فَقَسَمَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ» فِيهِ أَنَّهُ لَوْ تَنَازَعَ رَجُلَانِ فِي عَيْنِ دَابَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا، فَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهَا مِلْكُهُ دُونَ صَاحِبِهِ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا بَيِّنَةٌ وَكَانَتْ الْعَيْنُ فِي يَدَيْهِمَا فَكُلُّ وَاحِدٍ مُدَّعٍ فِي نِصْفٍ وَمُدَّعًى عَلَيْهِ فِي نِصْفٍ، أَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى دَعْوَاهُ تَسَاقَطَتَا وَصَارَتَا كَالْعَدَمِ وَحَكَمَ بِهِ الْحَاكِمُ نِصْفَيْنِ بَيْنَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْيَدِ، وَكَذَا إذَا لَمْ يُقِيمَا بَيِّنَةً كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ، وَكَذَا إذَا حَلَفَا أَوْ نَكَلَا. قَالَ ابْنُ رَسْلَانَ: يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْقِصَّةُ فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَاحِدَةً، إلَّا أَنَّ الْبَيِّنَتَيْنِ لَمَّا تَعَارَضَتَا تَسَاقَطَتَا وَصَارَتَا كَالْعَدَمِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا فِي عَيْنٍ كَانَتْ فِي يَدَيْهِمَا وَالْآخَرُ كَانَتْ الْعَيْنُ فِي يَدِ ثَالِثٍ لَا يَدَّعِيهَا بِدَلِيلِ مَا وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ «ادَّعَيَا دَابَّةً وَجَدَاهَا عِنْدَ رَجُلٍ، فَأَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا شَاهِدَيْنِ، فَلَمَّا أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَاهِدَيْنِ نُزِعَتْ مِنْ يَدِ الثَّالِثِ وَدُفِعَتْ إلَيْهِمَا» قَالَ: وَهَذَا أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ حَمْلَ الْإِسْنَادَيْنِ عَلَى مَعْنَيَيْنِ مُتَعَدِّدَيْنِ أَرْجَحُ مِنْ حَمْلِهِمَا عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ تَرْجِيحُ مَا فِيهِ زِيَادَةُ عِلْمٍ عَلَى غَيْرِهِ

قَوْلُهُ: (أَحَبَّا أَوْ كَرِهَا) قَالَ الْخَطَّابِيِّ: الْإِكْرَاهُ هُنَا لَا يُرَادُ بِهِ حَقِيقَتُهُ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُكْرَهُ عَلَى الْيَمِينِ، وَإِنَّمَا الْمَعْنَى إذَا تَوَجَّهَتْ الْيَمِينُ عَلَى اثْنَيْنِ وَأَرَادَا الْحَلِفَ سَوَاءٌ كَانَا كَارِهَيْنِ لِذَلِكَ بِقَلْبِهِمَا وَهُوَ مَعْنَى الْإِكْرَاهِ أَوْ مُخْتَارَيْنِ لِذَلِكَ بِقَلْبِهِمَا وَهُوَ مَعْنَى الْمَحَبَّةِ وَتَنَازَعَا أَيُّهُمَا يَبْدَأُ فَلَا يُقَدَّمُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ بِالتَّشَهِّي بَلْ بِالْقُرْعَةِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: " فَلَيَسْتَهِمَا " أَيْ فَلْيَقْتَرِعَا، وَقِيلَ صُورَةُ الِاشْتِرَاكِ فِي الْيَمِينِ أَنْ يَتَنَازَعَ اثْنَانِ عَيْنًا لَيْسَتْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا وَلَا بَيِّنَةَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فَيُقْرَعُ بَيْنَهُمَا، فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ حَلَفَ وَاسْتَحَقَّهَا، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ قِصَّةً أُخْرَى فَيَكُونُ الْقَوْمُ الْمَذْكُورُونَ مُدَّعَى عَلَيْهِمْ بِعَيْنٍ فِي أَيْدِيهِمْ مَثَلًا وَأَنْكَرُوا، وَلَا بَيِّنَةَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ فَتَوَجَّهَتْ

<<  <  ج: ص:  >  >>