٣٩٣٢ - (عَنْ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: «كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ خُصُومَةٌ فِي بِئْرٍ، فَاخْتَصَمْنَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ، فَقُلْت: إنَّهُ إذَنْ يَحْلِفُ وَلَا يُبَالِي، فَقَالَ: مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ هُوَ فِيهَا فَاجِرٌ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاحْتَجَّ بِهِ مَنْ لَمْ يَرَ الشَّاهِدَ وَالْيَمِينَ، وَمَنْ رَأَى الْعَهْدَ يَمِينًا.
وَفِي لَفْظٍ: «خَاصَمْتُ ابْنَ عَمٍّ لِي إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بِئْرٍ كَانَتْ لِي فِي يَدِهِ فَجَحَدَنِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: بَيِّنَتُكَ أَنَّهَا بِئْرُكَ وَإِلَّا فَيَمِينُهُ، قُلْت: مَا لِي بَيِّنَةٌ وَأَنْ يَجْعَلَهَا يَمِينَهُ تَذْهَبُ بِئْرِي إنَّ خَصْمِي امْرُؤٌ فَاجِرٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَنْ اقْتَطَعَ مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ حَقٍّ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ)
ــ
[نيل الأوطار]
عَلَيْهِمْ الْيَمِينُ فَسَارَعُوا إلَى الْحَلِفِ وَالْحَلِفُ لَا يَقَعُ مُعْتَبَرًا إلَّا بِتَلْقِينِ الْمُحَلِّفِ، فَقُطِعَ النِّزَاعُ بَيْنَهُمْ بِالْقُرْعَةِ، فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ بُدِئَ بِهِ
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي بَيَانِ مَعْنَى الْحَدِيثِ: إنَّ الْقُرْعَةَ فِي أَيِّهِمَا تُقَدَّمُ عِنْدَ إرَادَةِ تَحْلِيفِ الْقَاضِي لَهُمَا وَذَلِكَ أَنَّهُ يُحَلِّفُ وَاحِدًا ثُمَّ يُحَلِّفُ الْآخَرَ، فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ الثَّانِي بَعْدَ حِلْفِ الْأَوَّلِ قَضَى بِالْعَيْنِ كُلِّهَا لِلْحَالِفِ أَوَّلًا، وَإِنْ حَلَفَ الثَّانِي فَقَدْ اسْتَوَيَا فِي الْيَمِينِ فَتَكُونُ الْعَيْنُ بَيْنَهُمَا كَمَا كَانَتْ قَبْلَ أَنْ يَحْلِفَا، وَهَذَا يَشْهَدُ لَهُ الرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورَةُ فِي الْبَابِ. وَقَدْ حَمَلَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي جَامِعِ الْأُصُولِ الْحَدِيثَ عَلَى الِاقْتِرَاعِ فِي الْمَقْسُومِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَهُوَ بَعِيدٌ. وَيَرُدُّهُ الرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ فَإِنَّهَا بِلَفْظِ " فَلْيَسْتَهِمَا عَلَيْهَا " أَيْ عَلَى الْيَمِينِ. قَوْلُهُ: (فَلْيَسْتَهِمَا عَلَيْهَا) وَجْهُ الْقُرْعَةِ أَنَّهُ إذَا تَسَاوَى الْخَصْمَانِ فَتَرْجِيحُ أَحَدِهِمَا بِدُونِ مُرَجِّحٍ لَا يَسُوغُ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْمَصِيرُ إلَى مَا فِيهِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ وَهُوَ الْقُرْعَةُ، وَهَذَا نَوْعٌ مِنْ التَّسْوِيَةِ الْمَأْمُورِ بِهَا بَيْنَ الْخُصُومِ
وَقَدْ طَوَّلَ أَئِمَّةُ الْفِقْهِ الْكَلَامَ عَلَى قِسْمَةِ الشَّيْءِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ بَيْنَ مُتَنَازِعِيهِ إذَا كَانَ فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَوْ فِي يَدِ غَيْرِهِمْ مُقَرٍّ بِهِ لَهُمْ. وَأَمَّا إذَا كَانَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَالْيَمِينُ عَلَيْهِ وَالْبَيِّنَةُ عَلَى خَصْمِهِ. وَأَمَّا الْقُرْعَةُ فِي تَقْدِيمِ أَحَدِهِمَا فِي الْحَلِفِ فَاَلَّذِي فِي فُرُوعِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْحَاكِمَ يُعَيِّنُ لِلْيَمِينِ مِنْهُمَا مَنْ شَاءَ مَا يَرَاهُ. قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: لَكِنَّ الَّذِي يَنْبَغِي الْعَمَلُ بِهِ هُوَ الْقُرْعَةُ لِلْحَدِيثِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي كِتَابِ الصُّلْحِ فِي الْعَمَلِ بِالْقُرْعَةِ كَلَامًا مُفِيدًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute