للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٥٤١ - (وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِأَحْمَدَ: «مَنْ صَنَعَ أَمْرًا عَلَى غَيْرِ أَمْرِنَا فَهُوَ مَرْدُودٌ» .

ــ

[نيل الأوطار]

ثَمَنُهُ، وَالْمَغْصُوبِ عَيْنُهُ بِالْأَوْلَى، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْحَدِيثَ لَا يَنْتَهِضُ لِلْحُجِّيَّةِ، وَلَوْ سَلِمَ فَمَعْنَى نَفْيِ الْقَبُولِ لَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّهُ يَرِدُ عَلَى وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ يُرَادُ بِهِ الْمُلَازِمُ لِنَفْيِ الصِّحَّةِ وَالْإِجْزَاءِ نَحْوُ قَوْلِهِ «هَذَا وُضُوءٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ الصَّلَاةَ إلَّا بِهِ» وَالثَّانِي يُرَادُ بِهِ نَفْيُ الْكَمَالِ وَالْفَضِيلَةِ كَمَا فِي حَدِيثِ نَفْيِ قَبُولِ صَلَاةِ الْآبِقِ وَالْمُغَاضِبَةِ لِزَوْجِهَا وَمَنْ فِي جَوْفِهِ خَمْرٌ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ هُوَ مُجْمَعٌ عَلَى صِحَّةِ صَلَاتِهِمْ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَى هَذَا فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ هَذَا الشَّرْحِ.

وَمِنْ هَهُنَا تَعْلَمُ أَنَّ نَفْيَ الْقَبُولِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فَلَا يُحْمَلُ عَلَى أَحَدِهِمَا إلَّا لِدَلِيلٍ فَلَا يَتِمُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ فِي مَوَاطِنِ النِّزَاعِ. وَقَالَ أَبُو هِشَامٍ: إنْ اسْتَتَرَ بِحَلَالٍ لَمْ يُفْسِدْهُ الْمَغْصُوبُ فَوْقَهُ. إذْ هُوَ فَضْلَةٌ. قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَفِيهِ يَعْنِي الْحَدِيثَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النُّقُودَ تَتَعَيَّنُ فِي الْعُقُودِ. اهـ.

وَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، وَقَدْ صَرَّحَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ فُقَهَاءِ الزَّيْدِيَّةِ أَنْ تَتَعَيَّنَ فِي اثْنَيْ عَشَرَ مَوْضِعًا وَمَحَلُّ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ عِلْمُ الْفُرُوعِ

قَوْلُهُ: (لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا) الْمُرَادُ بِالْأَمْرِ هُنَا وَاحِدُ الْأُمُورِ، وَهُوَ مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ.

قَوْلُهُ: (فَهُوَ رَدٌّ) الْمَصْدَرُ بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ كَمَا بَيَّنَتْهُ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى، قَالَ فِي الْفَتْحِ: يُحْتَجُّ بِهِ فِي إبْطَالِ جَمِيعِ الْعُقُودِ الْمَنْهِيَّةِ وَعَدَمِ وُجُودِ ثَمَرَاتِهَا الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَيْهَا، وَأَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي الْفَسَادَ؛ لِأَنَّ الْمَنْهِيَّاتِ كُلَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ، فَيَجِبُ رَدُّهَا، وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَا يُغَيِّرُ مَا فِي بَاطِنِ الْأَمْرِ، لِقَوْلِهِ: " لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا " وَالْمُرَادُ بِهِ أَمْرُ الدِّينِ، وَفِيهِ أَنَّ الصُّلْحَ الْفَاسِدَ مُنْتَقَضٌ، وَالْمَأْخُوذُ عَلَيْهِ مُسْتَحَقُّ الرَّدِّ اهـ.

وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قَوَاعِدِ الدِّينِ؛ لِأَنَّهُ يَنْدَرِجُ تَحْتَهُ مِنْ الْأَحْكَامِ مَا لَا يَأْتِي عَلَيْهِ الْحَصْرُ. وَمَا أَصْرَحَهُ وَأَدَلَّهُ عَلَى إبْطَالِ مَا فَعَلَهُ الْفُقَهَاءُ مِنْ تَقْسِيمِ الْبِدَعِ إلَى أَقْسَامٍ وَتَخْصِيصِ الرَّدِّ بِبَعْضِهَا بِلَا مُخَصِّصٍ مِنْ عَقْلٍ وَلَا نَقْلٍ فَعَلَيْك إذَا سَمِعْت مَنْ يَقُولُ هَذِهِ بِدْعَةٌ حَسَنَةٌ بِالْقِيَامِ فِي مَقَامِ الْمَنْعِ مُسْنِدًا لَهُ بِهَذِهِ الْكُلِّيَّةِ وَمَا يُشَابِهُهَا مِنْ نَحْوِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ» طَالِبًا لِدَلِيلِ تَخْصِيصِ تِلْكَ الْبِدْعَةِ الَّتِي وَقَعَ النِّزَاعُ فِي شَأْنِهَا بَعْدَ الِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهَا بِدْعَةٌ، فَإِنْ جَاءَك بِهِ قَبِلْته، وَإِنْ كَاعَ كُنْت قَدْ أَلْقَمْته حَجَرًا وَاسْتَرَحْت مِنْ الْمُجَادَلَةِ.

وَمِنْ مَوَاطِنِ الِاسْتِدْلَالِ لِهَذَا الْحَدِيثِ كُلُّ فِعْلٍ أَوْ تَرْكٍ وَقَعَ الِاتِّفَاقُ بَيْنَك وَبَيْنَ خَصْمِك عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخَالَفَك فِي اقْتِضَائِهِ الْبُطْلَانَ أَوْ الْفَسَادَ مُتَمَسِّكًا بِمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ إلَّا عَدَمَ أَمْرٍ يُؤْثَرُ عَدَمُهُ فِي الْعَدَمِ، كَالشَّرْطِ أَوْ وُجُودِ أَمْرٍ يُؤْثَرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>