للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٥٤٢ - (وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: «أُهْدِيَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرُّوجُ حَرِيرٍ فَلَبِسَهُ، ثُمَّ صَلَّى فِيهِ، ثُمَّ انْصَرَفَ فَنَزَعَهُ نَزْعًا عَنِيفًا شَدِيدًا كَالْكَارِهِ لَهُ، ثُمَّ قَالَ لَا يَنْبَغِي هَذَا لِلْمُتَّقِينَ.» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

ــ

[نيل الأوطار]

وُجُودُهُ فِي الْعَدَمِ كَالْمَانِعِ، فَعَلَيْك بِمَنْعِ هَذَا التَّخْصِيصِ الَّذِي لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ إلَّا مُجَرَّدَ الِاصْطِلَاحِ مُسْنِدًا لِهَذَا الْمَنْعِ بِمَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ مِنْ الْعُمُومِ الْمُحِيطِ بِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْأُمُورِ الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ ذَلِكَ الْقَبِيلِ قَائِلًا: هَذَا أَمْرٌ لَيْسَ مِنْ أَمْرِهِ، وَكُلُّ أَمْرٍ لَيْسَ مِنْ أَمْرِهِ رَدٌّ فَهَذَا رَدٌّ وَكُلُّ رَدٍّ بَاطِلٌ، فَهَذَا بَاطِلٌ، فَالصَّلَاةُ مَثَلًا الَّتِي تُرِكَ فِيهَا مَا كَانَ يَفْعَلُهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَوْ فُعِلَ فِيهَا مَا كَانَ يَتْرُكُهُ لَيْسَتْ مِنْ أَمْرِهِ، فَتَكُونُ بَاطِلَةً بِنَفْسِ هَذَا الدَّلِيلِ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْأَمْرُ الْمَفْعُولُ أَوْ الْمَتْرُوكُ مَانِعًا بِاصْطِلَاحِ أَهْلِ الْأُصُولِ، أَوْ شَرْطًا أَوْ غَيْرَهُمَا، فَلْيَكُنْ مِنْك هَذَا عَلَى ذِكْرٍ.

قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهَذَا الْحَدِيثُ مَعْدُودٌ مِنْ أُصُولِ الْإِسْلَامِ، وَقَاعِدَةٌ مِنْ قَوَاعِدِهِ، فَإِنَّ مَعْنَاهُ: مَنْ اخْتَرَعَ مِنْ الدِّينِ مَا لَا يَشْهَدُ لَهُ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِهِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ قَالَ النَّوَوِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا يَنْبَغِي حِفْظُهُ وَاسْتِعْمَالُهُ فِي إبْطَالِ الْمُنْكَرَاتِ وَإِشَاعَةِ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ كَذَلِكَ. وَقَالَ الطُّوخِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ يَصْلُحُ أَنْ يُسَمَّى نِصْفَ أَدِلَّةِ الشَّرْعِ، لِأَنَّ الدَّلِيلَ يَتَرَكَّبُ مِنْ مُقَدِّمَتَيْنِ، وَالْمَطْلُوبُ بِالدَّلِيلِ إمَّا إثْبَاتُ الْحُكْمِ أَوْ نَفْيُهُ. وَهَذَا الْحَدِيثُ مُقَدِّمَةٌ كُبْرَى فِي إثْبَاتِ كُلِّ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ وَنَفْيِهِ لِأَنَّ مَنْطُوقَهُ مُقَدِّمَةٌ كُلِّيَّةٌ، مِثْلُ أَنْ يُقَالَ فِي الْوُضُوءِ بِمَاءٍ نَجِسٍ: هَذَا لَيْسَ مِنْ أَمْرِ الشَّرْعِ، وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ مَرْدُودٌ فَهَذَا الْعَمَلُ مَرْدُودٌ، فَالْمُقَدِّمَةُ الثَّانِيَةُ ثَابِتَةٌ بِهَذَا الدَّلِيلِ، وَإِنَّمَا يَقَعُ النِّزَاعُ فِي الْأُولَى، وَمَفْهُومُهُ أَنَّ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا عَلَيْهِ أَمْرُ الشَّرْعِ فَهُوَ صَحِيحٌ، وَلَوْ اتَّفَقَ أَنْ يُوجَدَ حَدِيثٌ يَكُونُ مُقَدِّمَةً أَوْلَى فِي إثْبَاتِ كُلِّ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ وَنَفْيِهِ لَاسْتَقَلَّ الْحَدِيثَانِ بِجَمْعِ أَدِلَّةِ الشَّرْعِ، لَكِنَّ هَذَا الثَّانِي لَا يُوجَدُ، فَإِذَنْ حَدِيثُ الْبَابِ نِصْفُ أَدِلَّةِ الشَّرْعِ اهـ.

قَوْلُهُ: (فَرُّوجُ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمَضْمُومَةِ وَآخِرُهُ جِيمٌ هُوَ الْقَبَا الْمُفَرَّجُ مِنْ خَلْفٍ، وَحَكَى أَبُو زَكَرِيَّا التَّبْرِيزِيُّ عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ الْمِصْرِيِّ جَوَازُ ضَمِّ أَوَّلِهِ وَتَخْفِيفُ الرَّاءِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ: وَاَلَّذِي أَهْدَاهُ هُوَ أُكَيْدِرُ دَوْمَةَ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ الْبُخَارِيُّ فِي اللِّبَاسِ. وَالْحَدِيثُ اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ بِتَحْرِيمِ الصَّلَاةِ فِي الْحَرِيرِ وَهُوَ الْهَادِي فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَالنَّاصِرُ وَالْمَنْصُورُ بِاَللَّهِ وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ الْهَادِي فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَأَبُو الْعَبَّاسِ وَالْمُؤَيَّدُ بِاَللَّهِ وَالْإِمَامُ يَحْيَى وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ: إنَّهَا مَكْرُوهَةٌ فَقَطْ، مُسْتَدِلِّينَ بِأَنَّ عِلَّةَ التَّحْرِيمِ الْخُيَلَاءُ وَلَا خُيَلَاءَ فِي الصَّلَاةِ، وَهَذَا تَخْصِيصٌ لِلنَّصِّ بِحِيَالِ عِلَّةِ الْخُيَلَاءِ، وَهُوَ مِمَّا لَا يَنْبَغِي الِالْتِفَاتُ إلَيْهِ.

وَقَدْ

<<  <  ج: ص:  >  >>