. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
الْمُعْجَمَةِ وَالزَّايِ كُنْيَتُهُ أَبُو صَالِحٍ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ لَهُ صُحْبَةً، وَأَنْكَرَهَا بَعْضُهُمْ انْتَهَى. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ الْمَذْكُورُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ عُثْمَانَ الدَّشْتَكِيُّ الرَّازِيّ رَوَى عَنْهُ هَذَا الْحَدِيثَ ابْنُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَلَيْسَ لَهُ فِي الْكُتُبِ غَيْرُهُ، وَقَدْ وَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ. وَقَدْ سَاقَ هَذَا الْحَدِيثَ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الرَّازِيّ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ سَعْدٍ قَالَ: رَأَيْت رَجُلًا. الْحَدِيثَ، وَلَعَلَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ خَازِمٍ كَمَا ذَكَرَ النَّسَائِيّ وَالْبُخَارِيُّ هُوَ الرَّجُلُ الْمُبْهَمُ فِي الْحَدِيثِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهَذَا ابْنُ رَسْلَانَ، فَقَالَ: الرَّجُلُ الرَّاكِبُ: قِيلَ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَازِمٍ وَكُنْيَتُهُ أَبُو صَالِحٍ.
قَوْلُهُ: (عِمَامَةُ خَزٍّ) قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: الْخَزُّ ثِيَابٌ تُنْسَجُ مِنْ صُوفٍ وِإِبْرَيْسَمٍ، وَهِيَ مُبَاحَةٌ، وَقَدْ لَبِسَهُ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَالتَّابِعُونَ، وَقَالَ غَيْرُهُ الْخَزُّ: اسْمُ دَابَّةٍ ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى الثَّوْبِ الْمُتَّخَذِ مِنْ وَبَرِهَا. وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ: أَصْلُهُ مِنْ وَبَرِ الْأَرْنَبِ، وَيُسَمَّى ذَكَرُهُ الْخَزَّ. وَقِيلَ: إنَّ الْخَزَّ ضَرْبٌ مِنْ ثِيَابِ الْإِبْرَيْسَمِ.
وَفِي النِّهَايَةِ مَا مَعْنَاهُ أَنَّ الْخَزَّ الَّذِي كَانَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَخْلُوطٌ مِنْ صُوفٍ وَحَرِيرٍ. وَقَالَ عِيَاضٌ فِي الْمَشَارِقِ: إنَّ الْخَزَّ مَا خُلِطَ مِنْ الْحَرِيرِ وَالْوَبَرِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ مِنْ وَبَرِ الْأَرْنَبِ ثُمَّ قَالَ: فَسُمِّيَ مَا خَالَطَ الْحَرِيرَ مِنْ سَائِرِ الْأَوْبَارِ خَزًّا وَالْحَدِيثُ قَدْ اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ لُبْسِ الْخَزِّ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ غَايَةَ مَا فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ أَخْبَرَ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَسَاهُ عِمَامَةَ الْخَزِّ، وَذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ جَوَازَ اللُّبْسِ.
وَقَدْ ثَبَتَ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ أَنَّهُ قَالَ: «كَسَانِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُلَّةً سِيَرَاءَ فَخَرَجْت بِهَا فَرَأَيْت الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ فَأَطَرْتهَا خُمُرًا بَيْنَ نِسَائِي» هَذَا لَفْظُ الْحَدِيثِ فِي التَّيْسِيرِ فَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ قَوْلِ عَلِيٍّ " كَسَانِي " جَوَازُ اللُّبْسِ وَهَكَذَا قَالَ عُمَرُ: «لَمَّا بَعَثَ إلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحُلَّةٍ سِيَرَاءَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَسَوْتنِيهَا وَقَدْ قُلْت فِي حُلَّةِ عُطَارِدَ مَا قُلْت، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنِّي لَمْ أَكْسُكَهَا لِتَلْبَسَهَا» هَذَا لَفْظُ أَبِي دَاوُد وَبِهَذَا تَبَيَّنَ لَك أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ قَوْلِهِ كَسَانِي جَوَازُ اللُّبْسِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي تَحْرِيمِ الْخَزِّ مَا هُوَ أَصَحُّ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ وَهُوَ حَدِيثُ أَبِي عَامِرٍ الْآتِي وَكَذَلِكَ حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ. وَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَيْضًا عَلَى جَوَازِ لُبْسِ الْمَشُوبِ، وَهُوَ لَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ إلَّا عَلَى أَحَدِ التَّفَاسِيرِ لِلْخَزِّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ بَعْضِهَا، وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْمَشُوبِ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ مَا هُوَ الْحَقُّ.
قَوْلُهُ: (وَقَدْ صَحَّ لُبْسُهُ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ) لَا يَخْفَاك أَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِي فِعْلِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ وَإِنْ كَانُوا عَدَدًا كَثِيرًا، وَالْحُجَّةُ إنَّمَا هِيَ فِي إجْمَاعِهِمْ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِحُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ، وَلَوْ كَانَ لُبْسُهُمْ الْخَزَّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ حَلَالٌ لَكَانَ الْحَرِيرُ الْخَالِصُ حَلَالًا، لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ أَبِي دَاوُد أَنَّهُ قَالَ: لَبِسَ الْحَرِيرَ عِشْرُونَ صَحَابِيًّا، وَقَدْ أَخْبَرَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ أَنَّهُ سَيَكُونُ مِنْ أُمَّتِهِ أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْخَزَّ وَالْحَرِيرَ وَذَكَرَ الْوَعِيدَ الشَّدِيدَ فِي آخِرِ هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ الْمَسْخِ إلَى الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ كَمَا سَيَأْتِي.
٥٥٦ - (وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إنَّمَا «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الثَّوْبِ الْمُصْمَتِ مِنْ قَزٍّ» قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمَّا السَّدَى وَالْعَلَمُ فَلَا نَرَى بِهِ بَأْسًا. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute