للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٥٥٦ - (وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إنَّمَا «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الثَّوْبِ الْمُصْمَتِ مِنْ قَزٍّ» قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمَّا السَّدَى وَالْعَلَمُ فَلَا نَرَى بِهِ بَأْسًا. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد)

ــ

[نيل الأوطار]

الْحَدِيثُ فِي إسْنَادِهِ خُصَيْفٍ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ.، وَقَدْ ضَعَّفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، قَالَ فِي التَّقْرِيبِ: هُوَ صَدُوقٌ سَيِّئُ الْحِفْظِ خَلَطَ بِأَخِرَةٍ وَرُمِيَ بِالْإِرْجَاءِ وَقَدْ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَأَبُو زُرْعَةَ وَبَقِيَّةُ رِجَالِ إسْنَادِهِ ثِقَاتٌ. وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَالطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ.

قَوْلُهُ: (الْمُصْمَتِ) بِضَمِّ الْمِيمِ الْأُولَى وَفَتْحِ الثَّانِيَةِ الْمُخَفَّفَةِ، وَهُوَ الَّذِي جَمِيعُهُ حَرِيرٌ لَا يُخَالِطُهُ قُطْنٌ وَلَا غَيْرُهُ قَالَهُ ابْنُ رَسْلَانَ.

قَوْلُهُ: (وَأَمَّا السَّدَى) بِفَتْحِ السِّينِ وَالدَّالِ بِوَزْنِ الْحَصَى وَيُقَالُ: سَتَى بِمُثَنَّاةٍ مِنْ فَوْقُ بَدَلَ الدَّالِ لُغَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَهُوَ خِلَافُ اللَّحْمَةِ، وَهُوَ مَا مُدَّ طُولًا فِي النَّسْجِ.

قَوْلُهُ: (وَالْعَلَمُ) هُوَ رَسْمُ الثَّوْبِ وَرَقْمُهُ قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ وَذَلِكَ كَالطِّرَازِ وَالسِّجَافِ. وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى حِلِّ لُبْسِ الثَّوْبِ الْمَشُوبِ بِالْحَرِيرِ، وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ: مَسْأَلَةٌ: وَيَحِلُّ الْمَغْلُوبُ بِالْقُطْنِ وَغَيْرِهِ، وَيَحْرُمُ الْغَالِبُ إجْمَاعًا فِيهَا اهـ.

وَكِلَا الْإِجْمَاعَيْنِ مَمْنُوعٌ أَمَّا الْأَوَّلُ فَقَدْ نَقَلَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ عَنْ الْعَلَّامَةِ ابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ أَنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ مِنْ الْمَخْلُوطِ مَا كَانَ مَجْمُوعُ الْحَرِيرِ فِيهِ أَرْبَعَ أَصَابِعَ لَوْ كَانَتْ مُنْفَرِدَةً بِالنِّسْبَةِ إلَى جَمِيعِ الثَّوْبِ. وَأَمَّا الثَّانِي فَقَدْ تَقَدَّمَ الْخِلَافُ عَنْ ابْنِ عُلَيَّةَ فِي الْحَرِيرِ الْخَالِصِ، وَنَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ قَوْمٍ كَمَا عَرَفْت. وَقَدْ ذَهَبَ الْإِمَامِيَّةُ إلَى أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ إلَّا مَا كَانَ حَرِيرًا خَالِصًا لَمْ يُخَالِطْهُ مَا يُخْرِجُهُ عَنْ ذَلِكَ كَمَا رَوَى ذَلِكَ الرِّيمِيُّ عَنْهُمْ.

وَقَالَ الْهَادِي فِي الْأَحْكَامِ وَالْمُؤَيَّدُ بِاَللَّهِ وَأَبُو طَالِبٍ: إنَّهُ يَحْرُمُ مِنْ الْمَخْلُوطِ مَا كَانَ الْحَرِيرُ غَالِبًا فِيهِ أَوْ مُسَاوِيًا تَغْلِيبًا لِجَانِبِ الْحَظْرِ، وَلَا دَلِيلِ عَلَى تَحْلِيلِ الْمَشُوبِ إلَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا، وَهُوَ غَيْرُ صَالِحٍ لِلِاحْتِجَاجِ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ الضَّعْفُ فِي إسْنَادِهِ كَمَا عَرَفْت. الثَّانِي: أَنَّهُ أَخْبَرَ بِمَا بَلَغَهُ مِنْ قَصْرِ النَّهْيِ عَلَى الْمُصْمَتِ وَغَيْرِهِ أَخْبَرَ بِمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي حُلَّةِ السِّيَرَاءِ مِنْ غَضَبِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا رَأَى عَلِيًّا لَابِسًا لَهَا. وَالْقَوْلُ بِأَنَّ حُلَّةَ السِّيَرَاءِ هِيَ الْحَرِيرُ الْخَالِصُ كَمَا قَالَ الْبَعْضُ مَمْنُوعٌ.

وَالسَّنَدُ مَا أَسْلَفْنَاهُ عَنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ بَلْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّوْرَقِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ حَدِيثُ عَلِيٍّ السَّابِقُ فِي السِّيَرَاءِ بِلَفْظِ قَالَ عَلِيٌّ «أُهْدِيَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُلَّةٌ سِيَرَاءُ إمَّا حَرِيرٌ وَإِمَّا لَحْمَتُهَا فَأَرْسَلَ بِهَا إلَيَّ فَأَتَيْتُهُ فَقُلْت: مَا أَصْنَعُ بِهَا؟ أَلْبَسُهَا؟ قَالَ: لَا، إنِّي لَا أَرْضَى لَك مَا أَكْرَهُ لِنَفْسِي، شَقِّقْهَا خُمُرًا لِفُلَانَةَ وَفُلَانَةَ، فَشَقَقْتهَا أَرْبَعَةَ أَخْمِرَةٍ» وَسَيَأْتِي الْحَدِيثُ، وَهَذَا صَرِيحٌ بِأَنَّ تِلْكَ السِّيَرَاءَ مَخْلُوطَةٌ لَا حَرِيرٌ خَالِصٌ. وَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي رَيْحَانَةَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنِ مَاجَهْ وَفِيهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>