٥٥٧ - (وَعَنْ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ: «أُهْدِيَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُلَّةٌ مَكْفُوفَةٌ بِحَرِيرٍ إمَّا سَدَاهَا وَإِمَّا لَحْمَتُهَا فَأَرْسَلَ بِهَا إلَيَّ فَأَتَيْتُهُ، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَصْنَعُ بِهَا أَلْبَسُهَا؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنْ اجْعَلْهَا خُمُرًا بَيْنَ الْفَوَاطِمِ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ)
ــ
[نيل الأوطار]
النَّهْيُ عَنْ عَشْرٍ مِنْهَا أَنْ يَجْعَلَ الرَّجُلُ فِي أَسْفَلِ ثِيَابِهِ حَرِيرًا مِثْلَ الْأَعَاجِمِ وَأَنْ يَجْعَلَ عَلَى مَنْكِبِهِ حَرِيرًا مِثْلَ الْأَعَاجِمِ، وَقَدْ عَرَفْت مِمَّا سَلَفَ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي تَحْرِيمِ الْحَرِيرِ بِدُونِ تَقْيِيدٍ فَالظَّاهِرُ مِنْهَا تَحْرِيمُ مَاهِيَّةِ الْحَرِيرِ سَوَاءٌ وُجِدَتْ مُنْفَرِدَةً أَوْ مُخْتَلِطَةً بِغَيْرِهَا، وَلَا يَخْرُجُ عَنْ التَّحْرِيمِ إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الشَّارِعُ مِنْ مِقْدَارِ الْأَرْبَعِ الْأَصَابِعِ مِنْ الْحَرِيرِ الْخَالِصِ وَسَوَاءٌ وُجِدَ ذَلِكَ الْمِقْدَارُ مُجْتَمِعًا كَمَا فِي الْقِطْعَةِ الْخَالِصَةِ أَمْ مُفَرَّقًا كَمَا فِي الثَّوْبِ الْمَشُوبِ.
وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ لَا يَصْلُحُ لِتَخْصِيصِ تِلْكَ الْعُمُومَاتِ، وَلَا لِتَقْيِيدِ تِلْكَ الْإِطْلَاقَاتِ مَا عَرَفْت وَلَا مُتَمَسَّكَ لِلْجُمْهُورِ الْقَائِلِينَ بِحِلِّ الْمَشُوبِ. إذَا كَانَ الْحَرِيرُ مَغْلُوبًا إلَّا قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيمَا أَعْلَمُ فَانْظُرْ - أَيُّهَا الْمُنْصِفُ - هَلْ يَصْلُحُ جَعْلُهُ جِسْرًا تُذَادُ عَنْهُ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي تَحْرِيمِ مُطْلَقِ الْحَرِيرِ وَمُقَيِّدِهِ، وَهَلْ يَنْبَغِي التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ فِي مِثْلِ هَذَا الْأَصْلِ الْعَظِيمِ مَعَ مَا فِي إسْنَادِهِ مِنْ الضَّعْفِ الَّذِي يُوجِبُ سُقُوطَ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى فَرْضِ تَجَرُّدِهِ عَنْ الْمُعَارَضَاتِ، فَرَحِمَ اللَّهُ ابْنَ دَقِيقِ الْعِيدِ فَلَقَدْ حَفِظَ اللَّهُ بِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أُمَّةَ نَبِيِّهِ عَنْ الْإِجْمَاعِ عَلَى الْخَطَأِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ خُصَيْفًا الْمَذْكُورَ فِي إسْنَادِ الْحَدِيثِ قَدْ وَثَّقَهُ مَنْ تَقَدَّمَ، وَاعْتُضِدَ الْحَدِيثُ بِوُرُودِهِ مِنْ وَجْهَيْنِ آخَرَيْنِ أَحَدُهُمَا صَحِيحٌ وَالْآخَرُ حَسَنٌ كَمَا سَلَفَ فَانْتَهَضَ الْحَدِيثُ لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ.
فَإِنْ قُلْت: قَدْ صَرَّحَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ أَنَّ عُهْدَةَ الْجُمْهُورِ فِي جَوَازِ لُبْسِ مَا خَالَطَهُ الْحَرِيرُ إذَا كَانَ غَيْرُ الْحَرِيرِ أَغْلَبَ مَا وَقَعَ فِي تَفْسِيرِ الْحُلَّةِ السِّيَرَاءِ قُلْت: لَيْسَ فِي أَحَادِيثِ الْحُلَّةِ السِّيَرَاءِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا حَلَالٌ بَلْ جَمِيعُهَا قَاضِيَةٌ بِالْمَنْعِ مِنْهَا كَمَا فِي حَدِيثِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا سَلَفَ، فَإِنْ فُسِّرَتْ بِالثِّيَابِ الْمَخْلُوطَةِ بِالْحَرِيرِ كَمَا قَالَ جُمْهُورُ أَهْلِ اللُّغَةِ كَانَتْ حُجَّةً عَلَى الْجُمْهُورِ لَا لَهُمْ وَإِنْ فُسِّرَتْ بِأَنَّهَا الْحَرِيرُ الْخَالِصُ فَأَيُّ دَلِيلٍ فِيهَا عَلَى جَوَازِ لُبْسِ الْمَخْلُوطِ، وَهَكَذَا إنْ فُسِّرَتْ بِسَائِرِ التَّفَاسِيرِ الْمُتَقَدِّمَةِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ الْمُدَّعُونَ لِلْحِلِّ بِشَيْءٍ تَرْكَنُ النَّفْسُ إلَيْهِ، وَغَايَةُ مَا جَادَلُوا بِهِ أَنَّهُ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَهَذَا أَمْرٌ هَيِّنٌ، وَالْحَقُّ لَا يُعْرَفُ بِالرِّجَالِ.
وَأَمَّا دَعْوَى الْإِجْمَاعِ الَّتِي ذَكَرَهَا صَاحِبُ الْبَحْرِ فَمَا هِيَ بِأَوَّلِ دَعَاوِيهِ عَلَى أَنَّ الرَّاجِحَ عِنْدَ مَنْ أَطْلَقَ نَفْسَهُ عَنْ وَثَاقِ الْعَصَبِيَّةِ الْوَبِيَّةِ عَدَمُ حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ إنْ سَلِمَ إمْكَانُهُ وَوُقُوعُهُ وَنَقْلُهُ وَالْعِلْمُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ مَنَعَ الْكُلَّ. وَأَحْسَنُ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الْجَوَازِ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ الْمُتَقَدِّمُ فِي لُبْسِ عِمَامَةِ الْخَزِّ لِمَا فِي النِّهَايَةِ مِنْ أَنَّ الْخَزَّ الَّذِي كَانَ عَلَى عَهْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَخْلُوطٌ مِنْ صُوفٍ وَحَرِيرٍ. وَقَالَ فِي الْمَشَارِقِ: إنَّ الْخَزَّ مَا خُلِطَ مِنْ الْحَرِيرِ وَالْوَبَرِ كَمَا تَقَدَّمَ لَوْلَا أَنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ صَلَاحِيَّتِهِ لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ عَلَى الْمَطْلُوبِ مَا أَسْفَلْنَاهُ فِي شَرْحِهِ عَلَى أَنَّ النِّزَاعَ فِي مُسَمَّى الْخَزِّ بِمُجَرَّدِهِ مَانِعٌ مُسْتَقِلٌّ.
٥٥٧ - (وَعَنْ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ: «أُهْدِيَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُلَّةٌ مَكْفُوفَةٌ بِحَرِيرٍ إمَّا سَدَاهَا وَإِمَّا لَحْمَتُهَا فَأَرْسَلَ بِهَا إلَيَّ فَأَتَيْتُهُ، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَصْنَعُ بِهَا أَلْبَسُهَا؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنْ اجْعَلْهَا خُمُرًا بَيْنَ الْفَوَاطِمِ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute