(وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: «أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ ثَنِيَّةٍ، فَالْتَفَتَ إلَيَّ وَعَلَيَّ رَيْطَةٌ مُضَرَّجَةٌ بِالْعُصْفُرِ، فَقَالَ: مَا هَذِهِ؟ فَعَرَفْت مَا كَرِهَ فَأَتَيْت أَهْلِي وَهُمْ يَسْجُرُونَ تَنُّورَهُمْ فَقَذَفْتهَا فِيهِ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ مِنْ الْغَدِ، فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ مَا فَعَلَتْ الرَّيْطَةُ؟ فَأَخْبَرْته، فَقَالَ: أَلَا كَسَوْتَهَا بَعْضَ أَهْلِكِ؟» ، رَوَاهُ
ــ
[نيل الأوطار]
مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصْبُغُ بِالصُّفْرَةِ» زَادَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ، " وَقَدْ كَانَ يَصْبُغُ بِهَا ثِيَابَهُ كُلَّهَا " وَقَالَ الْخَطَّابِيِّ: النَّهْيُ مُنْصَرِفٌ إلَى مَا صُبِغَ مِنْ الثِّيَابِ، وَكَأَنَّهُ نَظَرَ إلَى مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ ذِكْرِ مُطْلَقِ الصَّبْغِ بِالصُّفْرَةِ، فَقَصَرَهُ عَلَى صَبْغِ اللِّحْيَةِ دُونَ الثِّيَابِ، وَجَعَلَ النَّهْيَ مُتَوَجِّهًا إلَى الثِّيَابِ، وَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَى تِلْكَ الزِّيَادَةِ الْمُصَرِّحَةِ بِأَنَّهُ كَانَ يَصْبُغُ ثِيَابَهُ بِالصُّفْرَةِ، وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ الصُّفْرَةَ الَّتِي كَانَ يَصْبُغُ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيْرُ صُفْرَةِ الْعَصْفَرَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ.
وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا سَيَأْتِي فِي بَابِ لُبْسِ الْأَبْيَضِ وَالْأَسْوَدِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَصْبُغُ بِالزَّعْفَرَانِ» وَقَدْ أَجَابَ مَنْ لَمْ يَقُلْ بِالتَّحْرِيمِ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عَمْرٍو الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ وَحَدِيثِهِ الَّذِي بَعْدَهُ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ نَهْيِهِ لَهُ نَهْيُ سَائِرِ الْأُمَّةِ.
وَكَذَلِكَ أَجَابَ عَنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ الْآتِي بِأَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ: " نَهَانِي " أَنَّ ذَلِكَ مُخْتَصٌّ بِهِ، وَلِهَذَا ثَبَتَ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: وَلَا أَقُولُ نَهَاكُمْ، وَهَذَا الْجَوَابُ يَنْبَنِي عَلَى الْخِلَافِ الْمَشْهُورِ بَيْنَ أَهْلِ الْأُصُولِ فِي حُكْمِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْوَاحِدِ مِنْ الْأُمَّةِ هَلْ يَكُونُ حُكْمًا عَلَى بَقِيَّتِهِمْ أَوْ لَا؟ وَالْحَقُّ الْأَوَّلُ، فَيَكُونُ نَهْيُهُ لِعَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ نَهْيًا لِجَمِيعِ الْأُمَّةِ، وَلَا يُعَارِضُهُ صَبْغُهُ بِالصُّفْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِ أَنَّهَا مِنْ الْعُصْفُرِ لِمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ مِنْ أَنَّ فِعْلَهُ الْخَالِيَ عَنْ دَلِيلِ التَّأَسِّي الْخَاصِّ لَا يُعَارِضُ قَوْلَهُ الْخَاصَّ بِأُمَّتِهِ، فَالرَّاجِحُ تَحْرِيمُ الثِّيَابِ الْمُعَصْفَرَةِ، وَالْعُصْفُرُ وَإِنْ كَانَ يَصْبُغُ صَبْغًا أَحْمَرَ كَمَا قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَلْبَسُ حُلَّةً حَمْرَاءَ» كَمَا يَأْتِي، لِأَنَّ النَّهْيَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ يَتَوَجَّهُ إلَى نَوْعٍ خَاصٍّ مِنْ الْحُمْرَةِ، وَهِيَ الْحُمْرَةُ الْحَاصِلَةُ عَنْ صِبَاغِ الْعُصْفُرِ، وَسَيَأْتِي مَا حَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ بِمَعْنَى هَذَا.
وَقَدْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَادًّا لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ: إنَّهُ لَمْ يَحْكِ أَحَدٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّهْيَ عَنْ الصُّفْرَةِ إلَّا مَا قَالَ عَلِيٌّ: " نَهَانِي وَلَا أَقُولُ نَهَاكُمْ " إنَّ الْأَحَادِيثَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ عَلَى الْعُمُومِ، ثُمَّ ذَكَرَ أَحَادِيثَ مَا قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: وَلَوْ بَلَغَتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الشَّافِعِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَقَالَ بِهَا، ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مَا صَحَّ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: إذَا صَحَّ الْحَدِيثُ خِلَافَ قَوْلِي فَاعْمَلُوا بِالْحَدِيثِ.
٥٦١ - (وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: «أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ ثَنِيَّةٍ، فَالْتَفَتَ إلَيَّ وَعَلَيَّ رَيْطَةٌ مُضَرَّجَةٌ بِالْعُصْفُرِ، فَقَالَ: مَا هَذِهِ؟ فَعَرَفْت مَا كَرِهَ فَأَتَيْت أَهْلِي وَهُمْ يَسْجُرُونَ تَنُّورَهُمْ فَقَذَفْتهَا فِيهِ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ مِنْ الْغَدِ، فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ مَا فَعَلَتْ الرَّيْطَةُ؟ فَأَخْبَرْته، فَقَالَ: أَلَا كَسَوْتَهَا بَعْضَ أَهْلِكِ؟» ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَكَذَلِكَ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَزَادَ: " فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِلنِّسَاءِ ") .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute