أَحْمَدُ وَكَذَلِكَ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَزَادَ: " فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِلنِّسَاءِ ")
٥٦٢ - (وَعَنْ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ: «نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ التَّخَتُّمِ بِالذَّهَبِ
ــ
[نيل الأوطار]
الْحَدِيثُ فِي إسْنَادِهِ عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَفِيهِ مَقَالٌ مَشْهُورٌ، وَمَنْ دُونَهُ ثِقَاتٌ.
قَوْلُهُ: (مِنْ ثَنِيَّةٍ) هِيَ الطَّرِيقَةُ فِي الْجَبَلِ، وَفِي لَفْظِ ابْنِ مَاجَهْ: مِنْ ثَنِيَّةِ أَذَاخِرَ، وَأَذَاخِرُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ الْمُخَفَّفَةِ وَبَعْدَهَا أَلِفٌ ثُمَّ خَاءٌ مُعْجَمَةٌ عَلَى وَزْنِ أَفَاعِلَ، ثَنِيَّةٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ.
قَوْلُهُ: (رَيْطَةٌ) بِفَتْحِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتَ ثُمَّ طَاءٌ مُهْمَلَةٌ وَيُقَالُ رَائِطَةٌ. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: جَاءَتْ الرِّوَايَةُ بِهِمَا وَهِيَ مُلَاءَةٌ مَنْسُوجَةٌ بِنَسْجٍ وَاحِدٍ، وَقِيلَ: كُلُّ ثَوْبٍ رَقِيقٍ لَيِّنٍ، وَالْجَمْعُ رِيَطٌ وَرِيَاطٌ.
قَوْلُهُ: (مُضَرَّجَةٌ) بِفَتْحِ الرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ مُلَطَّخَةٌ.
قَوْلُهُ: (يَسْجُرُونَ) أَيْ يُوقِدُونَ.
قَوْلُهُ: (بَعْضَ أَهْلِكِ) يَعْنِي زَوْجَتَهُ أَوْ بَعْضَ نِسَاءِ مَحَارِمِهِ وَأَقَارِبِهِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ لُبْسِ الْمُعَصْفَرِ لِلنِّسَاءِ، وَفِيهِ الْإِنْكَارُ عَلَى إحْرَاقِ الثَّوْبِ الْمُنْتَفَعِ بِهِ لِبَعْضِ النَّاسِ دُونَ بَعْضٍ لِأَنَّهُ مِنْ إضَاعَةِ الْمَالِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا، لَكِنَّهُ يُعَارِضُ هَذَا مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَيْضًا قَالَ: «رَأَى عَلَيَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ، فَقَالَ: أُمُّك أَمَرَتْك بِهَذَا؟ قَالَ: قُلْت: أَغْسِلُهُمَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: بَلْ أَحْرِقْهُمَا» وَقَدْ جَمَعَ بَعْضُهُمْ الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ أَوَّلًا بِإِحْرَاقِهِمَا نَدْبًا، ثُمَّ لَمَّا أَحْرَقَهُمَا قَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَوْ كَسَوْتَهُمَا بَعْضَ أَهْلِكِ؟» إعْلَامًا لَهُ بِأَنَّ هَذَا كَانَ كَافِيًا لَوْ فَعَلَهُ، وَأَنَّ الْأَمْرَ لِلنَّدْبِ، وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا مِنْ التَّكَلُّفِ الَّذِي عَنْهُ مَنْدُوحَةٌ، لِأَنَّ الْقَضِيَّةَ لَمْ تَكُنْ وَاحِدَةً حَتَّى يُجْمَعَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِمِثْلِ هَذَا، بَلْ هُمَا قَضِيَّتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ وَغَايَتُهُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي إحْدَى الْقَضِيَّتَيْنِ غَلَّظَ عَلَيْهِ وَعَاقَبَهُ فَأَمَرَهُ بِإِحْرَاقِهِمَا، وَلَعَلَّ هَذِهِ الْمَرَّةَ الَّتِي أَمَرَهُ فِيهَا بِالْإِحْرَاقِ كَانَتْ بَعْدَ تِلْكَ الْمَرَّةِ الَّتِي أَخْبَرَهُ فِيهَا بِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرَ وَاجِبٍ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا مِنْ جِهَةِ أَنَّ صَاحِبَ الْقِصَّةِ يَبْعُدُ أَنْ يَقَعَ مِنْهُ اللُّبْسُ لِلْمُعَصْفَرِ مَرَّةً أُخْرَى بَعْدَ أَنْ سَمِعَ فِيهِ مَا سَمِعَ الْمَرَّةَ الْأُولَى، وَلَكِنَّهُ دُونَ الْبُعْدِ الَّذِي فِي الْجَمْعِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ احْتِمَالَ النِّسْيَانِ كَائِنٌ، وَكَذَا احْتِمَالُ عُرُوضِ شُبْهَةٍ تُوجِبُ الظَّنَّ بِعَدَمِ التَّحْرِيمِ، وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ وَقَعَتْ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُعَاتَبَةُ عَلَى الْإِحْرَاقِ. قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: أَمَرَهُ بِإِحْرَاقِهِمَا مِنْ بَابِ التَّغْلِيظِ وَالْعُقُوبَةِ انْتَهَى. وَفِيهِ حُجَّةٌ عَلَى جَوَازِ الْمُعَاقَبَةِ بِالْمَالِ، وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ لُبْسِ الثِّيَابِ الْمَصْبُوغَةِ بِالْعُصْفُرِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute