. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
حَدِيثِ أَنَسٍ " فَقَالَ الصَّحَابَةُ: مَهْ مَهْ " وَسَيَأْتِي. وَلِلْبَيْهَقِيِّ " فَصَاحَ بِهِ النَّاسُ " وَكَذَا النَّسَائِيّ.
قَوْلُهُ: (سَجْلًا) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْجِيمِ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ هُوَ الدَّلْوُ مَلْأَى وَلَا يُقَالُ لَهَا ذَلِكَ وَهِيَ فَارِغَةٌ. قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: السَّجْلُ: دَلْوٌ وَاسِعَةٌ، وَفِي الصِّحَاحِ الدَّلْوُ الضَّخْمَةُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ إشَارَةٌ إلَى بَعْضِ هَذَا فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ ذُنُوبًا) قَالَ الْخَلِيلُ: هِيَ الدَّلْوُ مَلْأَى. وَقَالَ ابْنُ فَارِسٍ: الدَّلْوُ الْعَظِيمَةُ. وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: فِيهَا مَاءٌ قَرِيبٌ مِنْ الْمِلْءِ، وَلَا يُقَالُ لَهَا وَهِيَ فَارِغَةٌ: ذَنُوبٌ فَتَكُونُ أَوْ لِلشَّكِّ مِنْ الرَّاوِي أَوْ لِلتَّخْيِيرِ. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: مِنْ مَاءٍ مَعَ أَنَّ الذَّنُوبَ مِنْ شَأْنِهَا ذَلِكَ رَفْعُ الِاشْتِبَاهِ؛ لِأَنَّ الذَّنُوبَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْفَرَسِ الطَّوِيلِ وَغَيْرِهِمَا.
قَوْلُهُ: (فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ) إسْنَادُ الْبَعْثِ إلَيْهِمْ عَلَى طَرِيقِ الْمَجَازِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَبْعُوثُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا ذُكِرَ، لَكِنَّهُمْ لَمَا كَانُوا فِي مَقَامِ التَّبْلِيغِ عَنْهُ فِي حُضُورِهِ وَغَيْبَتِهِ أَطْلَقَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ. أَوْ هُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ قَبْلِهِ بِذَلِكَ، أَيْ مَأْمُورُونَ، وَكَانَ ذَلِكَ شَأْنَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَقِّ كُلِّ مَنْ بَعَثَهُ إلَى جِهَةٍ مِنْ الْجِهَاتِ يَقُولُ: «يَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا» .
وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الصَّبَّ مُطَهِّرٌ لِلْأَرْضِ وَلَا يَجِبُ الْحَفْرُ خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ، رَوَى ذَلِكَ عَنْهُمْ النَّوَوِيُّ.
وَالْمَذْكُورُ فِي كُتُبِهِمْ أَنَّ ذَلِكَ مُخْتَصٌّ بِالْأَرْضِ الصُّلْبَةِ دُونَ الرَّخْوَةِ، وَاسْتَدَلُّوا بِمَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ بِلَفْظِ: «احْفِرُوا مَكَانَهُ ثُمَّ صُبُّوا عَلَيْهِ» وَأَعَلَّهُ بِتَفَرُّدِ عَبْدِ الْجَبَّارِ بِهِ دُونَ أَصْحَابِ ابْنِ عُيَيْنَةَ الْحُفَّاظِ.
وَكَذَا رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلِ بْنِ مُقَرِّنٍ الْمُزَنِيّ وَهُوَ تَابِعِيٌّ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ: «خُذُوا مَا بَالَ عَلَيْهِ مِنْ التُّرَابِ فَأَلْقُوهُ وَأَهْرِيقُوا عَلَى مَكَانِهِ مَاءً» قَالَ أَبُو دَاوُد: رُوِيَ مَرْفُوعًا يَعْنِي مَوْصُولًا وَلَا يَصِحُّ، وَكَذَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ مُرْسَلًا وَفِيهِ " وَاحْفِرُوا مَكَانَهُ ".
قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ: إنَّ الطَّرِيقَ الْمُرْسَلَةَ مَعَ صِحَّةِ إسْنَادِهَا إذَا ضُمَّتْ إلَى أَحَادِيثِ الْبَابِ وَجَدَتْ قُوَّةً، قَالَ: وَلَهَا إسْنَادَانِ مَوْصُولَانِ، أَحَدُهُمَا عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ. وَلَفْظُهُ: «فَأَمَرَ بِمَكَانِهِ فَاحْتُفِرَ وَصَبَّ عَلَيْهِ دَلْوًا مِنْ مَاءٍ» وَفِيهِ سَمْعَانُ بْنُ مَالِكٍ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ، قَالَهُ أَبُو زُرْعَةَ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي الْعِلَلِ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ: هُوَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، وَكَذَا قَالَ أَحْمَدُ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَا أَصْلَ لَهُ. وَثَانِيهِمَا: عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَفِيهِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي حُمَيْدٍ الْهُذَلِيُّ، وَهُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، قَالَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو حَاتِمٍ.
وَاسْتُدِلَّ بِحَدِيثِ الْبَابِ أَيْضًا عَلَى نَجَاسَةِ بَوْلِ الْآدَمِيِّ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ. وَعَلَى أَنَّ تَطْهِيرَ الْأَرْضِ الْمُتَنَجِّسَةِ يَكُونُ بِالْمَاءِ لَا بِالْجَفَافِ بِالرِّيحِ أَوْ الشَّمْسِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَفَى ذَلِكَ لَمَا حَصَلَ التَّكْلِيفُ بِطَلَبِ الْمَاءِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْعِتْرَةِ وَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَزُفَرَ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ: هُمَا مُطَهِّرَانِ؛ لِأَنَّهُمَا يُحِيلَانِ الشَّيْءَ، وَكَذَا قَالَ الْخُرَاسَانِيُّونَ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ فِي الظِّلِّ، وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ «زَكَاةُ الْأَرْضِ يُبْسُهَا» . وَلَا أَصْلَ لَهُ فِي الْمَرْفُوعِ.