للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢٧ - (وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «بَيْنَمَا نَحْنُ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَقَامَ يَبُولُ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَهْ مَهْ قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا تَزْرِمُوهُ دَعُوهُ فَتَرَكُوهُ حَتَّى بَالَ ثُمَّ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعَاهُ، ثُمَّ قَالَ: إنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لَا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ وَلَا الْقَذَرِ، إنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالصَّلَاةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ» . أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ: «فَأَمَرَ رَجُلًا مِنْ الْقَوْمِ فَجَاءَ بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ فَشَنَّهُ عَلَيْهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، لَكِنْ لَيْسَ لِلْبُخَارِيِّ فِيهِ " إنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ " إلَى تَمَامِ الْأَمْرِ بِتَنْزِيهِهَا. وَقَوْلُهُ: " لَا تَزْرِمُوهُ " أَيْ لَا تَقْطَعُوا عَلَيْهِ بَوْلَهُ) . .

ــ

[نيل الأوطار]

وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاقِرِ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ قَوْلِ أَبِي قِلَابَةَ بِلَفْظِ: «جَفَافُ الْأَرْضِ طَهُورُهَا» . وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ التَّمَسُّكِ بِالْعُمُومِ إلَى أَنْ يَظْهَرَ الْخُصُوصُ إذْ لَمْ يُنْكِرْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الصَّحَابَةِ مَا فَعَلُوهُ مَعَ الْأَعْرَابِيِّ، بَلْ أَمَرَهُمْ بِالْكَفِّ عَنْهُ لِلْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ. وَفِيهِ أَيْضًا دَلِيلٌ عَلَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ أَنَّ الْأَرْضَ تَطْهُرُ بِالْمُكَاثَرَةِ. وَعَلَى الرِّفْقِ بِالْجَاهِلِ فِي التَّعْلِيمِ. وَعَلَى التَّرْغِيبِ فِي التَّيْسِيرِ وَالتَّنْفِيرِ عَنْ التَّعْسِيرِ. وَعَلَى احْتِرَامِ الْمَسَاجِدِ وَتَنْزِيهِهَا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَّرَهُمْ عَلَى الْإِنْكَارِ وَإِنَّمَا أَمَرَهُمْ بِالرِّفْقِ

٢٧ - (وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «بَيْنَمَا نَحْنُ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَقَامَ يَبُولُ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَهْ مَهْ قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا تَزْرِمُوهُ دَعُوهُ فَتَرَكُوهُ حَتَّى بَالَ ثُمَّ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعَاهُ، ثُمَّ قَالَ: إنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لَا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ وَلَا الْقَذَرِ، إنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالصَّلَاةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ» . أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ: «فَأَمَرَ رَجُلًا مِنْ الْقَوْمِ فَجَاءَ بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ فَشَنَّهُ عَلَيْهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، لَكِنْ لَيْسَ لِلْبُخَارِيِّ فِيهِ " إنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ " إلَى تَمَامِ الْأَمْرِ بِتَنْزِيهِهَا. وَقَوْلُهُ: " لَا تَزْرِمُوهُ " أَيْ لَا تَقْطَعُوا عَلَيْهِ بَوْلَهُ) . قَوْلُهُ: (أَعْرَابِيٌّ) هُوَ الَّذِي يَسْكُنُ الْبَادِيَةَ، وَقَدْ سَبَقَ الْخِلَافُ فِي اسْمِهِ. قَوْلُهُ: (مَهْ مَهْ) اسْمُ فِعْلٍ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكُونِ مَعْنَاهُ اُكْفُفْ. قَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ: هِيَ كَلِمَةُ زَجْرٍ أَصْلُهَا مَا هَذَا، ثُمَّ حُذِفَ تَخْفِيفًا، وَتُقَالُ مُكَرَّرَةً وَمُفْرَدَةً. وَمِثْلُهُ بِهِ بِهِ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ، وَقَالَ يَعْقُوبُ: هِيَ لِتَعْظِيمِ الْأَمْرِ كَبَخٍ بَخٍ. وَقَدْ تُنَوَّنُ مَعَ الْكَسْرِ وَيُنَوَّنُ الْأَوَّلُ وَيُكْسَرُ الثَّانِي بِغَيْرِ تَنْوِينٍ، وَكَذَا ذَكَرَهُ غَيْرُ صَاحِبِ الْمَطَالِعِ.

قَوْلُهُ: (لَا تُزْرِمُوهُ) بِضَمِّ التَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ وَإِسْكَانِ الزَّايِ بَعْدَهَا رَاءٍ أَيْ لَا تَقْطَعُوهُ. وَالْإِزْرَامُ: الْقَطْعُ. قَوْلُهُ: (إنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ) . . . إلَخْ مَفْهُومُ الْحَصْرِ مُشْعِرٌ بِعَدَمِ جَوَازِ مَا عَدَا هَذِهِ الْمَذْكُورَةَ مِنْ الْأَقْذَارِ، وَالْقَذَى وَالْبُصَاقِ وَرَفْعِ الصَّوْتِ وَالْخُصُومَاتِ وَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَسَائِرِ الْعُقُودِ وَإِنْشَادِ الضَّالَّةِ، وَالْكَلَامِ الَّذِي لَيْسَ بِذِكْرٍ، وَجَمِيعِ الْأُمُورِ الَّتِي لَا طَاعَةَ فِيهَا، وَأَمَّا الَّتِي فِيهَا طَاعَةٌ كَالْجُلُوسِ فِي الْمَسْجِدِ لِلِاعْتِكَافِ وَالْقِرَاءَةِ لِلْعِلْمِ وَسَمَاعِ الْمَوْعِظَةِ وَانْتِظَارِ الصَّلَاةِ وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَهَذِهِ الْأُمُورُ وَإِنْ لَمْ تَدْخُلْ فِي الْمَحْصُورِ فِيهِ لَكِنَّهُ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَازِهَا كَمَا حَكَاهُ النَّوَوِيُّ فَيُخَصَّصُ مَفْهُومُ الْحَصْرِ بِالْأُمُورِ الَّتِي فِيهَا طَاعَةٌ لَائِقَةٌ بِالْمَسْجِدِ لِهَذَا الْإِجْمَاعِ وَتَبْقَى الْأُمُورُ الَّتِي لَا طَاعَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>