٥٨١ - (وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا اعْتَمَّ سَدَلَ عِمَامَتَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ» ، قَالَ نَافِعٌ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُسْدِلُ عِمَامَتَهُ بَيْنَ كَتِفِهِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) .
ــ
[نيل الأوطار]
فِي الْأَكْمَامِ أَنْ لَا تُجَاوِزُ الرُّسْغَ قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي الْهَدْيِ: وَأَمَّا الْأَكْمَامُ الْوَاسِعَةُ الطِّوَالُ الَّتِي هِيَ كَالْأَخْرَاجِ فَلَمْ يَلْبَسْهَا هُوَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ أَلْبَتَّةَ، وَهِيَ مُخَالِفَةٌ لِسُنَّتِهِ، وَفِي جَوَازِهَا نَظَرٌ، فَإِنَّهَا مِنْ جِنْسِ الْخُيَلَاءِ انْتَهَى.
وَقَدْ صَارَ أَشْهُرُ النَّاسِ بِمُخَالَفَةِ هَذِهِ السُّنَّةِ فِي زَمَانِنَا هَذَا الْعُلَمَاءَ فَيُرَى أَحَدُهُمْ وَقَدْ جَعَلَ لِقَمِيصِهِ كُمَّيْنِ يَصْلُحُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَكُونَ جُبَّةً أَوْ قَمِيصًا لِصَغِيرٍ مِنْ أَوْلَادِهِ أَوْ يَتِيمٍ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ مِنْ الْفَوَائِدِ الدُّنْيَوِيَّةِ إلَّا الْعَبَثَ وَتَثْقِيلَ الْمُؤْنَةِ عَلَى النَّفْسِ، وَمَنْعَ الِانْتِفَاعِ بِالْيَدِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَنَافِعِ وَتَعْرِيضِهِ لِسُرْعَةِ التَّمَزُّقِ وَتَشْوِيهِ الْهَيْئَةِ، وَلَا الدِّينِيَّةِ إلَّا مُخَالَفَةَ السُّنَّةِ وَالْإِسْبَالِ وَالْخُيَلَاءِ. قَالَ ابْنُ رَسْلَانَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ نِسَاءَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُنَّ كَذَلِكَ يَعْنِي أَنَّ أَكْمَامَهُنَّ إلَى الرُّسْغِ إذْ لَوْ كَانَ أَكْمَامُهُنَّ تَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ لَنُقِلَ وَلَوْ نُقِلَ لَوَصَلَ إلَيْنَا، كَمَا نُقِلَ فِي الذُّيُولِ مِنْ رِوَايَةِ النَّسَائِيّ وَغَيْرِهِ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ لَمَّا سَمِعَتْ «مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إلَيْهِ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ يَصْنَعُ النِّسَاءُ بِذُيُولِهِنَّ؟ قَالَ: يُرْخِينَهُ شِبْرًا قَالَتْ: إذَنْ يَنْكَشِفَ أَقْدَامُهُنَّ قَالَ: يُرْخِينَهُ ذِرَاعًا وَلَا يَزِدْنَ عَلَيْهِ» . وَيُفَرَّقُ بَيْنَ الْكَفِّ إذَا ظَهَرَ وَبَيْنَ الْقَدَمِ، أَنَّ قَدَمَ الْمَرْأَةِ عَوْرَةٌ بِخِلَافِ كَفِّهَا انْتَهَى.
وَفِي الْحَدِيثِ الثَّانِي دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ هَدْيَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ تَقْصِيرَ الْقَمِيصِ لِأَنَّ تَطْوِيلَهُ إسْبَالٌ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ.
الْحَدِيثُ أَخْرَجَ نَحْوَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرٍو بْنِ حُرَيْثٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «رَأَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمِنْبَرِ، وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ قَدْ أَرْخَى طَرَفَهَا بَيْنَ كَتِفَيْهِ» ، وَأَخْرَجَ ابْنُ عَدِيٍّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ: «كَانَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ يَلْبَسُهَا فِي الْعِيدَيْنِ وَيُرْخِيهَا خَلْفَهُ» ، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لَا أَعْلَمُ يَرْوِيهِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ غَيْرَ الْعَرْزَمِيِّ وَعَنْهُ حَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ، وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي مُوسَى «أَنَّ جِبْرِيلَ نَزَلَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ قَدْ أَرْخَى ذُؤَابَتَهُ مِنْ وَرَائِهِ» .
قَوْلُهُ: (سَدَلَ) السَّدْلُ: الْإِسْبَالُ وَالْإِرْسَالُ، وَفَسَّرَهُ فِي الْقَامُوسِ بِالْإِرْخَاءِ. وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِ لُبْسِ الْعِمَامَةِ، وَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ رُكَانَةُ بْنِ عَبْدِ يَزِيدَ الْهَاشِمِيِّ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «فَرْقُ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ الْعَمَائِمُ عَلَى الْقَلَانِسِ» قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي الْهَدْيِ: وَكَانَ يَلْبَسُ الْقَلَنْسُوَةَ بِغَيْرِ عِمَامَةٍ وَيَلْبَسُ الْعِمَامَةَ بِغَيْرِ قَلَنْسُوَةٍ انْتَهَى. وَالْحَدِيثُ أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِ إرْخَاءِ الْعِمَامَةِ بَيْنَ الْكَتِفَيْنِ، وَقَدْ أَخْرَجَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute