. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
لَا نَعْلَمُ لَهُمْ مُخَالِفًا فِي الصَّحَابَةِ إخْبَارٌ عَنْ عِلْمِهِ وَإِلَّا فَقَدْ حَكَى الْخَطَّابِيِّ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ رَخَّصَ فِي الصَّلَاةِ فِي الْمَقْبَرَةِ وَحُكِيَ أَيْضًا عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ صَلَّى فِي الْمَقْبَرَةِ.
وَقَدْ ذَهَبَ إلَى تَحْرِيمِ الصَّلَاةِ عَلَى الْقَبْرِ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ الْمَنْصُورُ بِاَللَّهِ وَالْهَادَوِيَّةُ وَصَرَّحُوا بِعَدَمِ صِحَّتِهَا إنْ وَقَعَتْ فِيهَا. وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَقْبَرَةِ الْمَنْبُوشَةِ وَغَيْرِهَا فَقَالَ: إذَا كَانَتْ مُخْتَلِطَةً بِلَحْمِ الْمَوْتَى وَصَدِيدِهِمْ، وَمَا يَخْرُجُ مِنْهُمْ لَمْ تَجُزْ الصَّلَاةُ فِيهَا لِلنَّجَاسَةِ، فَإِنْ صَلَّى رَجُلٌ فِي مَكَان طَاهِرٍ مِنْهَا أَجْزَأَتْهُ. وَإِلَى مِثْلِ ذَلِكَ ذَهَبَ أَبُو طَالِبٍ وَأَبُو الْعَبَّاسِ وَالْإِمَامُ يَحْيَى مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ، وَقَالَ الرَّافِعِيُّ: أَمَّا الْمَقْبَرَةُ فَالصَّلَاةُ مَكْرُوهَةٌ فِيهَا بِكُلِّ حَالٍ. وَذَهَبَ الثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ إلَى كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ فِي الْمَقْبَرَةِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا كَمَا فَرَّقَ الشَّافِعِيُّ وَمَنْ مَعَهُ بَيْنَ الْمَنْبُوشَةِ وَغَيْرِهَا.
وَذَهَبَ مَالِكٌ إلَى جَوَازِ الصَّلَاةِ فِي الْمَقْبَرَةِ وَعَدَمِ الْكَرَاهَةِ، وَالْأَحَادِيثُ تَرُدُّ عَلَيْهِ وَقَدْ احْتَجَّ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ بِمَا يَقْضِي مِنْهُ الْعَجَبَ فَاسْتَدَلَّ لَهُ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى عَلَى قَبْرِ الْمِسْكِينَةِ السَّوْدَاءِ، وَأَحَادِيثُ النَّهْيِ الْمُتَوَاتِرَةُ كَمَا قَالَ ذَلِكَ الْإِمَامُ لَا تَقْصُرُ عَنْ الدَّلَالَةِ عَلَى التَّحْرِيمِ الَّذِي هُوَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ لَهُ، وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ النَّهْيَ يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، فَيَكُونُ الْحَقُّ التَّحْرِيمَ وَالْبُطْلَانَ، لِأَنَّ الْفَسَادَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّهْيُ هُوَ الْمُرَادِفُ لِلْبُطْلَانِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ الصَّلَاةِ عَلَى الْقَبْرِ وَبَيْنَ الْمَقَابِرِ وَكُلُّ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ لَفْظُ الْمَقْبَرَةِ. وَأَمَّا الْحَمَّامُ فَذَهَبَ أَحْمَدُ إلَى عَدَمِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ فِيهِ وَمَنْ صَلَّى فِيهِ أَعَادَ أَبَدًا. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: لَا يُصَلِّي فِي حَمَّامٍ وَلَا مَقْبَرَةٍ عَلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَتْ الظَّاهِرِيَّةُ.
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: " لَا يُصَلَّيَنَّ إلَى حُشٍّ وَلَا فِي حَمَّامٍ وَلَا فِي مَقْبَرَةٍ ". قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: مَا نَعْلَمُ لِابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذَا مُخَالِفًا مِنْ الصَّحَابَةِ وَرَوَيْنَا مِثْلَ ذَلِكَ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ وَخَيْثَمَةَ وَالْعَلَاءِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِيهِ. قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: وَلَا تَحِلُّ الصَّلَاةُ فِي حَمَّامٍ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ مَبْدَأُ بَابِهِ إلَى جَمِيعِ حُدُودِهِ وَلَا عَلَى سَطْحِهِ وَسَقْفِ مُسْتَوْقَدِهِ وَأَعَالِي حِيطَانِهِ خَرِبًا كَانَ أَوْ قَائِمًا، فَإِنْ سَقَطَ مِنْ بِنَائِهِ شَيْءٌ يَسْقُطُ عَنْهُ اسْمُ حَمَّامٍ جَازَتْ الصَّلَاةُ فِي أَرْضِهِ حِينَئِذٍ انْتَهَى.
وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى صِحَّةِ الصَّلَاةِ فِي الْحَمَّامِ مَعَ الطَّهَارَةِ وَتَكُونُ مَكْرُوهَةً وَتَمَسَّكُوا بِعُمُومَاتِ نَحْوِ حَدِيثِ «أَيْنَمَا أَدْرَكْت الصَّلَاةَ فَصَلِّ» وَحَمَلُوا النَّهْيَ عَلَى حَمَّامٍ مُتَنَجِّسٍ. وَالْحَقُّ مَا قَالَهُ الْأَوَّلُونَ لِأَنَّ أَحَادِيثَ الْمَقْبَرَةِ وَالْحَمَّامِ مُخَصِّصَةٌ لِذَلِكَ الْعُمُومِ، وَحِكْمَةُ الْمَنْعِ مِنْ الصَّلَاةِ فِي الْمَقْبَرَةِ قِيلَ هُوَ مَا تَحْتَ الْمُصَلِّي مِنْ النَّجَاسَةِ، وَقِيلَ: لِحُرْمَةِ الْمَوْتَى، وَحِكْمَةُ الْمَنْعِ مِنْ الصَّلَاةِ فِي الْحَمَّامِ أَنَّهُ يَكْثُرُ فِيهِ النَّجَاسَاتُ وَقِيلَ: إنَّهُ مَأْوَى الشَّيْطَانِ.
٦١٣ - (وَعَنْ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تُصَلُّوا إلَى الْقُبُورِ وَلَا تَجْلِسُوا عَلَيْهَا» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَابْنَ مَاجَهْ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute