. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
بِيَدَيْهِ إلَى الْجَانِبَيْنِ فَقَالَ لَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: عَلَامَ تُومِئُونَ بِأَيْدِيكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ إنَّمَا يَكْفِي أَحَدَكُمْ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى فَخِذِهِ ثُمَّ يُسَلِّمَ عَلَى أَخِيهِ مِنْ عَنْ يَمِينِهِ وَمِنْ عَنْ شِمَالِهِ» . وَرُدَّ هَذَا الْجَوَابُ بِأَنَّهُ قَصْرٌ لِلْعَامِّ عَلَى السَّبَبِ وَهُوَ مَذْهَبٌ مَرْجُوحٌ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ وَهَذَا الرَّدُّ مُتَّجَهٌ لَوْلَا أَنَّ الرَّفْعَ قَدْ ثَبَتَ مِنْ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُبُوتًا مُتَوَاتِرًا كَمَا تَقَدَّمَ
وَأَقَلُّ أَحْوَالِ هَذِهِ السُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ أَنْ تَصْلُحَ لِجَعْلِهَا قَرِينَةً لِقَصْرِ ذَلِكَ الْعَامِّ عَلَى السَّبَبِ، أَوْ لِتَخْصِيصِ ذَلِكَ الْعُمُومِ عَلَى تَسْلِيمِ عَدَمِ الْقَصْرِ وَرُبَّمَا نَازَعَ فِي هَذَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ: قَدْ تَقَرَّرَ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْأُصُولِ أَنَّهُ إذَا جُهِلَ تَارِيخُ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ اُطُّرِحَا، وَهُوَ لَا يَدْرِي أَنَّ الصَّحَابَةَ قَدْ أَجْمَعَتْ عَلَى هَذِهِ السُّنَّةِ بَعْدَ مَوْتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُمْ لَا يُجْمِعُونَ إلَّا عَلَى أَمْرٍ فَارَقُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عِنْدَ الْبَيْهَقِيّ أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ، وَعِنْدَ الرُّكُوعِ، وَعِنْدَ الِاعْتِدَالِ، فَمَا زَالَتْ تِلْكَ صَلَاتُهُ حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى» . وَأَيْضًا الْمُتَقَرِّرُ فِي الْأُصُولِ بِأَنَّ الْعَامَّ وَالْخَاصَّ إذَا جُهِلَ تَارِيخُهُمَا وَجَبَ الْبِنَاءُ، وَقَدْ جَعَلَهُ بَعْضُ أَئِمَّةِ الْأُصُولِ مُجْمَعًا عَلَيْهِ كَمَا فِي شَرْحِ الْغَايَةِ وَغَيْرِهِ
وَرُبَّمَا احْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمَدْخَلِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ بِلَفْظِ: «مَنْ رَفَعَ يَدَيْهِ فِي الصَّلَاةِ فَلَا صَلَاةَ لَهُ» وَرُبَّمَا رَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِنَحْوِ حَدِيثِ أَنَسٍ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ أَنَّ الْحَاكِمَ قَالَ بَعْدَ إخْرَاجِ حَدِيثِ أَنَسٍ: إنَّهُ مَوْضُوعٌ. وَقَدْ قَالَ فِي الْبَدْرِ الْمُنِيرِ: إنَّ فِي إسْنَادِهِ مُحَمَّدَ بْنَ عُكَاشَةَ الْكَرْمَانِيُّ. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: يَضَعُ الْحَدِيثَ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ جَعَلَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَوْضُوعَاتِ، وَقَدْ اخْتَلَفَتْ الْأَحَادِيثُ فِي مَحِلِّ الرَّفْعِ عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ هَلْ يَكُونُ قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا أَوْ مُقَارِنًا لَهَا، فَفِي بَعْضِهَا قَبْلَهَا كَحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْآتِي: بِلَفْظِ «رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يَكُونَا بِحَذْوِ مَنْكِبَيْهِ ثُمَّ يُكَبِّرُ» وَفِي بَعْضِهَا بَعْدَهَا كَمَا فِي حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ عِنْدَ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ: «كَبَّرَ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ» وَفِي بَعْضِهَا مَا يَدُلُّ عَلَى الْمُقَارَنَةِ كَحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْآتِي فِي هَذَا الْبَابِ بِلَفْظِ: «كَانَ إذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ» وَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، وَالْمُرَجَّحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ الْمُقَارَنَةُ. قَالَ الْحَافِظُ: وَلَمْ أَرَ مَنْ قَالَ بِتَقْدِيمِ التَّكْبِيرِ عَلَى الرَّفْعِ
وَيُرَجِّحُ الْمُقَارَنَةَ حَدِيثُ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ الْآتِي عِنْدَ أَبِي دَاوُد بِلَفْظِ: «رَفَعَ يَدَيْهِ مَعَ التَّكْبِيرِ» وَقَضِيَّةُ الْمَعِيَّةِ أَنَّهُ يَنْتَهِي بِانْتِهَائِهِ وَهُوَ الْمُرَجَّحُ أَيْضًا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ. وَقَالَ فَرِيقٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ: الْحِكْمَةُ فِي اقْتِرَانِهِمَا أَنَّهُ يَرَاهُ الْأَصَمُّ وَيَسْمَعُهُ الْأَعْمَى، وَقَدْ ذُكِرَتْ فِي ذَلِكَ مُنَاسَبَاتٌ أُخَرَ سَيَأْتِي ذِكْرُهَا. وَنَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: رَفْعُ الْيَدَيْنِ مِنْ زِينَةِ الصَّلَاةِ. وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّهُ قَالَ: لِكُلِّ رَفْعٍ عَشْرُ حَسَنَاتٍ لِكُلِّ إصْبَعٍ حَسَنَةٌ انْتَهَى. وَهَذَا لَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا مَجَالَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ. هَذَا الْكَلَامُ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute