بَابُ مَا جَاءَ فِي وَضْعِ الْيَمِينِ عَلَى الشِّمَالِ
٦٧٣ - (عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ أَنَّهُ «رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَفَعَ يَدَيْهِ حِينَ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ وَكَبَّرَ، ثُمَّ الْتَحَفَ بِثَوْبِهِ، ثُمَّ وَضَعَ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ أَخْرَجَ يَدَيْهِ، ثُمَّ رَفَعَهُمَا وَكَبَّرَ فَرَكَعَ، فَلَمَّا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَفَعَ يَدَيْهِ، فَلَمَّا سَجَدَ سَجَدَ بَيْن كَفَّيْهِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد: «ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى كَفِّهِ الْيُسْرَى وَالرُّسْغَ وَالسَّاعِدَ» .
ــ
[نيل الأوطار]
أَيْضًا وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَعَلِيٍّ، وَسَيَأْتِي فِي هَذَا الْبَابِ. قَوْلُهُ: (وَالرُّسْغُ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا مُعْجَمَةٌ: هُوَ الْمَفْصِلُ بَيْنَ السَّاعِدِ وَالْكَفِّ. قَوْلُهُ: (وَالسَّاعِدُ) بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى الرُّسْغِ، وَالرُّسْغُ مَجْرُورٌ لِعَطْفِهِ عَلَى قَوْلِهِ كَفِّهِ الْيُسْرَى. وَالْمُرَادُ أَنَّهُ وَضَعَ يَدِهِ الْيُمْنَى عَلَى كَفِّ يَدِهِ الْيُسْرَى وَرُسْغَهَا وَسَاعِدَهَا. وَلَفْظُ الطَّبَرَانِيِّ «وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى ظَهْرِ الْيُسْرَى فِي الصَّلَاةِ قَرِيبًا مِنْ الرُّسْغِ» . قَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: يَقْبِضُ كَفَّهُ الْيُمْنَى كُوعَ الْيُسْرَى وَبَعْضَ رُسْغِهَا وَسَاعِدِهَا. وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ وَضْعِ الْكَفِّ عَلَى الْكَفِّ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ. وَرَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالنَّخَعِيِّ أَنَّهُ يُرْسِلُهُمَا وَلَا يَضَعُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى، وَنَقَلَهُ النَّوَوِيُّ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. وَنَقَلَهُ الْمَهْدِيُّ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْقَاسِمِيَّةِ وَالنَّاصِرِيَّةِ وَالْبَاقِرِ
وَنَقَلَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ، وَخَالَفَهُ ابْنُ الْحَكَمِ فَنَقَلَ عَنْ مَالِكٍ الْوَضْعَ وَالرِّوَايَةُ الْأُولَى عَنْهُ هِيَ رِوَايَةُ جُمْهُورِ أَصْحَابِهِ وَهِيَ الْمَشْهُورَةُ عِنْدَهُمْ. وَنَقَلَ ابْنُ سَيِّدِ النَّاسِ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ التَّخْيِيرَ بَيْنَ الْوَضْعِ وَالْإِرْسَالِ. احْتَجَّ الْجُمْهُورُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْوَضْعِ بِأَحَادِيثِ الْبَابِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَذَكَرْنَاهَا وَهِيَ عِشْرُونَ عَنْ ثَمَانِيَةِ عَشَرَ صَحَابِيًّا وَتَابِعِيَّيْنِ. وَحَكَى الْحَافِظُ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهُ قَالَ: لَمْ يَأْتِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ خِلَافٌ. وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِالْإِرْسَالِ بِحَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ الْمُتَقَدِّمِ بِلَفْظِ: «مَا لِي أَرَاكُمْ رَافِعِي أَيْدِيكُمْ» وَقَدْ عَرَّفْنَاك أَنَّ حَدِيثَ جَابِرٍ وَارِدٌ عَلَى سَبَبٍ خَاصٍّ فَإِنْ قُلْت الْعِبْرَةُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ قُلْنَا إنْ صَدَقَ عَلَى الْوَضْعِ مُسَمَّى الرَّفْعِ فَلَا أَقَلَّ مِنْ صَلَاحِيَّةِ أَحَادِيثِ الْبَابِ لِتَخْصِيصِ ذَلِكَ الْعُمُومِ، وَإِنْ لَمْ يَصْدُقْ عَلَيْهِ مُسَمَّى الرَّفْعِ لَمْ يَصِحَّ الِاحْتِجَاجُ عَلَى عَدَمِ مَشْرُوعِيَّتِهِ بِحَدِيثِ جَابِرٍ الْمَذْكُورِ، وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِأَنَّهُ مُنَافٍ لِلْخُشُوعِ وَهُوَ مَأْمُورٌ بِهِ فِي الصَّلَاةِ، وَهَذِهِ الْمُنَافَاةُ مَمْنُوعَةٌ
قَالَ الْحَافِظُ: قَالَ الْعُلَمَاءُ: الْحِكْمَةُ فِي هَذِهِ الْهَيْئَةِ أَنَّهَا صِفَةُ السَّائِلِ الذَّلِيلِ، وَهُوَ أَمْنَعُ لِلْعَبَثِ وَأَقْرَبُ إلَى الْخُشُوعِ. وَمِنْ اللَّطَائِفِ قَوْلُ بَعْضِهِمْ: الْقَلْبُ مَوْضِعُ النِّيَّةِ، وَالْعَادَةُ أَنَّ مَنْ حَرَصَ عَلَى حِفْظِ شَيْءٍ جَعَلَ يَدَيْهِ عَلَيْهِ اهـ.
قَالَ الْمَهْدِيُّ فِي الْبَحْرِ: وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ أَصْحَابِنَا يُنَافِي الْخُشُوعَ وَالسُّكُونَ وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّمَ الْمُسِيءَ صَلَاتَهُ الصَّلَاةَ وَلَمْ يَذْكُرْ وَضْعَ الْيَمِينِ عَلَى الشِّمَالِ كَذَا حَكَاهُ ابْنُ سَيِّدِ النَّاسِ عَنْهُمْ وَهُوَ عَجِيبٌ فَإِنَّ النِّزَاعَ فِي اسْتِحْبَابِ الْوَضْعِ لَا وُجُوبِهِ، وَتَرْكُ ذِكْرِهِ فِي حَدِيثِ الْمُسِيءِ إنَّمَا يَكُونُ حُجَّةً عَنْ الْقَائِلِ بِالْوُجُوبِ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ الْفَرَائِضِ فِي حَدِيثِ الْمُسِيءِ. وَأَعْجَبُ مِنْ هَذَا الدَّلِيلِ قَوْلُ الْمَهْدِيِّ فِي الْبَحْرِ مُجِيبًا عَنْ أَدِلَّةِ الْجُمْهُورِ بِلَفْظِ: قُلْنَا أَمَّا فِعْلُهُ فَلَعَلَّهُ لِعُذْرٍ لِاحْتِمَالِهِ، وَأَمَّا الْخَبَرُ فَإِنْ صَحَّ فَقَوِيٌّ وَيَحْتَمِلُ الِاخْتِصَاصَ بِالْأَنْبِيَاءِ انْتَهَى. وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي مَحِلِّ وَضْعِ الْيَدَيْنِ سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ
٦٧٤ - (وَعَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: «كَانَ النَّاسُ يُؤْمَرُونَ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ الْيَدَ الْيُمْنَى عَلَى ذِرَاعِهِ الْيُسْرَى فِي الصَّلَاةِ، قَالَ أَبُو حَازِمٍ: وَلَا أَعْلَمُهُ إلَّا يَنْمِي ذَلِكَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute