للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٦٧٤ - (وَعَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: «كَانَ النَّاسُ يُؤْمَرُونَ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ الْيَدَ الْيُمْنَى عَلَى ذِرَاعِهِ الْيُسْرَى فِي الصَّلَاةِ، قَالَ أَبُو حَازِمٍ: وَلَا أَعْلَمُهُ إلَّا يَنْمِي ذَلِكَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ)

ــ

[نيل الأوطار]

قَوْلُهُ: (كَانَ النَّاسُ يُؤْمَرُونَ) قَالَ الْحَافِظُ: هَذَا حُكْمُهُ الرَّفْعُ لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الْآمِرَ لَهُمْ بِذَلِكَ هُوَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَهْلِ النَّقْلِ. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ مَرْفُوعٌ. قَوْلُهُ: (عَلَى ذِرَاعِهِ الْيُسْرَى) أُبْهِمَ هُنَا مَوْضِعُهُ مِنْ الذِّرَاعِ، وَقَدْ بَيَّنَتْهُ رِوَايَةُ أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد فِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا. قَوْلُهُ: (وَلَا أَعْلَمُهُ إلَّا يَنْمِي) هُوَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ النُّونِ وَكَسْرِ الْمِيمِ. قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: نَمَيْت الْحَدِيثَ: رَفَعْته وَأَسْنَدْته.

وَفِي رِوَايَةٍ يَرْفَعُ مَكَانَ يَنْمِي، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ يَنْمِيه: يَرْفَعُهُ فِي اصْطِلَاحِ أَهْلِ الْحَدِيثِ قَالَهُ الْحَافِظُ.

وَقَدْ أَعَلَّ بَعْضُهُمْ الْحَدِيثَ بِأَنَّهُ ظَنٌّ مِنْ أَبِي حَازِمٍ. وَرُدَّ بِأَنَّ أَبَا حَازِمٍ لَوْ لَمْ يَقُلْ لَا أَعْلَمُهُ إلَى آخِرِهِ لَكَانَ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ لِأَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ كُنَّا نُؤْمَرُ بِكَذَا يُصْرَفُ بِظَاهِرِهِ إلَى مَنْ لَهُ الْأَمْرُ وَهُوَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأُجِيبَ عَنْ هَذَا بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَرْفُوعًا لَمَا احْتَاجَ أَبُو حَازِمٍ إلَى قَوْلِهِ لَا أَعْلَمُهُ. إلَى آخِرِهِ. وَرُدَّ بِأَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ لِلِانْتِقَالِ إلَى التَّصْرِيحِ، فَالْأَوَّلُ لَا يُقَالُ لَهُ مَرْفُوعٌ، وَإِنَّمَا يُقَالُ لَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ. وَالثَّانِي يُقَالُ لَهُ مَرْفُوعٌ. وَالْحَدِيثُ يَصْلُحُ لِلِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى وُجُوبِ وَضْعِ الْيَدِ عَلَى الْيَدِ لِلتَّصْرِيحِ مِنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ بِأَنَّ النَّاسَ كَانُوا يُؤْمَرُونَ وَلَا يَصْلُحُ لِصَرْفِهِ عَنْ الْوُجُوبِ مَا فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ الْآتِي بِلَفْظِ «إنَّ مِنْ السُّنَّةِ فِي الصَّلَاةِ» وَكَذَا مَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِلَفْظِ: «ثَلَاثٌ مِنْ سُنَنِ الْمُرْسَلِينَ: تَعْجِيلُ الْفِطْرِ، وَتَأْخِيرُ السُّحُورِ، وَوَضْعُ الْيَمِينِ عَلَى الشِّمَالِ» لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ السُّنَّةَ فِي لِسَانِ أَهْلِ الشَّرْعِ أَعَمُّ مِنْهَا فِي لِسَانِ أَهْلِ الْأُصُولِ، عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَيْنِ ضَعِيفَانِ

وَيُؤَيِّدُ الْوُجُوبَ مَا رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا فَسَّرَ قَوْله تَعَالَى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: ٢] بِوَضْعِ الْيَمِينِ عَلَى الشِّمَالِ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيِّ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ: إنَّهُ أَحْسَنِ مَا رُوِيَ فِي تَأْوِيلِ الْآيَةِ. وَعِنْدَ الْبَيْهَقِيّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُ تَفْسِيرِ عَلِيٍّ. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا أَنَّ جِبْرِيلَ فَسَّرَ الْآيَةَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ، وَفِي إسْنَادِهِ إسْرَائِيلُ بْنُ حَاتِمٍ، وَقَدْ اتَّهَمَهُ ابْنُ حِبَّانَ بِهِ وَمَعَ هَذَا فَطُولُ مُلَازَمَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِهَذِهِ السُّنَّةِ مَعْلُومٌ لِكُلِّ نَاقِلٍ وَهُوَ بِمُجَرَّدِهِ كَافٍ فِي إثْبَاتِ الْوُجُوبِ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْأُصُولِ. فَالْقَوْلُ بِالْوُجُوبِ هُوَ الْمُتَعَيَّنُ إنْ لَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ إجْمَاعٌ. عَلَى أَنَّا لَا نَدِينُ بِحُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ بَلْ نَمْنَعُ إمْكَانَهُ وَنَجْزِمُ بِتَعَذُّرِ وُقُوعِهِ، إلَّا أَنَّ مَنْ جَعَلَ حَدِيثَ الْمُسِيءِ قَرِينَةً صَارِفَةً لِجَمِيعِ الْأَوَامِرِ الْوَارِدَةِ بِأُمُورٍ خَارِجَةٍ عَنْهُ لَمْ يَجْعَلْ هَذِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>