للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا} [الإسراء: ١١١] إلَى آخِرِهِ. وَهُوَ عِنْدَهُمْ التَّوَجُّهُ الصَّغِيرُ، وَقَوْلُهُ: (وَجَّهَتْ وَجْهِي) التَّوَجُّهُ: التَّكْبِيرُ وَهَذَا إنَّمَا يَتِمُّ بَعْدَ تَسْلِيمِ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا الْإِحْرَامُ، وَبَعْدَ تَسْلِيمِ أَنَّ الْوَاوَ تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ، وَبَعْدَ تَسْلِيمِ أَنَّ قَوْله تَعَالَى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا} [الإسراء: ١١١] إلَى آخِرِهِ مِنْ التَّوْجِيهَاتِ الْوَارِدَةِ

وَهَذِهِ الْأُمُورُ جَمِيعًا مَمْنُوعَةٌ وَدُونَ تَصْحِيحِهَا مَفَاوِزُ وَعِقَابٌ، وَالْأَحْسَنُ الِاحْتِجَاجُ لَهُمْ بِإِطْلَاقِ بَعْضِ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ كَحَدِيثِ جَابِرٍ بِلَفْظِ، " كَانَ إذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلَاةَ " وَحَدِيثِ الْبَابِ بِلَفْظِ: " كَانَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ " وَلَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّهُ قَدْ وَرَدَ التَّقْيِيدُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَقَدِّمِ، وَفِي حَدِيثِ الْبَابِ أَيْضًا فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ (كَانَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ كَبَّرَ) وَسَيَأْتِي. وَقَدْ وَرَدَ التَّقْيِيدُ فِي غَيْرِ حَدِيثٍ. وَحَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَاجِبٌ عَلَى مَا هُوَ الْحَقُّ فِي الْأُصُولِ. وَمِنْ غَرَائِبِهِمْ قَوْلُهُمْ: إنَّهُ لَا يُشْرَعُ التَّوَجُّهُ بِغَيْرِ مَا وَرَدَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْقُرْآنِيَّةِ إلَّا قَوْله تَعَالَى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا} [الإسراء: ١١١] . . . إلَخْ وَقَدْ وَرَدَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ بِتَوَجُّهَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ. قَوْلُهُ: (وَجَّهَتْ وَجْهِي) قِيلَ مَعْنَاهُ قَصَدْت بِعِبَادَتِي. وَقِيلَ: أَقْبَلْت بِوَجْهِي. وَجَمْعُ السَّمَوَاتِ وَإِفْرَادُ الْأَرْضِ مَعَ كَوْنِهَا سَبْعًا لِشَرَفِهَا. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: لِأَنَّا لَا نَنْتَفِع مِنْ الْأَرَضِينَ إلَّا بِالطَّبَقَةِ الْأُولَى، بِخِلَافِ السَّمَاءِ فَإِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْكَوَاكِبَ مُوَزَّعَةٌ عَلَيْهَا. وَقِيلَ لِأَنَّ الْأَرْضَ السَّبْعَ لَهَا سَكَنٌ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَدْ قَالَ قَوْلُهُ: {وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [الطلاق: ١٢] قَالَ: سَبْعُ أَرَضِينَ فِي كُلِّ أَرْضٍ نَبِيٌّ كَنَبِيِّكُمْ وَآدَمُ كَآدَمِكُمْ وَنُوحُ كَنُوحِكُمْ وَإِبْرَاهِيمُ كَإِبْرَاهِيمِكُمْ وَعِيسَى كَعِيسَاكُمْ. قَالَ: وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ غَيْرَ أَنِّي لَا أَعْلَمْ لِأَبِي الضُّحَى مُتَابِعًا

قَوْلُهُ (حَنِيفًا) الْحَنِيفُ: الْمَائِلُ إلَى الدِّينِ الْحَقِّ وَهُوَ الْإِسْلَامُ قَالَهُ الْأَكْثَرُ، وَيُطْلَقُ عَلَى الْمَائِلِ وَالْمُسْتَقِيمِ، وَهُوَ عِنْدِ الْعَرَبِ اسْمٌ لِمَنْ كَانَ عَلَى مِلَّةِ إبْرَاهِيمَ وَانْتِصَابُهُ عَلَى الْحَالِ. قَوْلُهُ: (وَنُسُكِي) النُّسُكُ: الْعِبَادَةُ لِلَّهِ، وَهُوَ مِنْ ذِكْرِ الْعَامِّ بَعْدَ الْخَاصِّ. قَوْلُهُ (مَحْيَايَ وَمَمَاتِي) أَيْ حَيَاتِي وَمَوْتِي. وَالْجُمْهُورُ عَلَى فَتْحِ الْيَاءِ الْآخِرَةِ فِي مَحْيَايَ وَقُرِئَ بِإِسْكَانِهَا. قَوْلُهُ: (وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ) فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أَوَّلَ مُسْلِمِي هَذِهِ الْأُمَّةِ.

وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لِمُسْلِمٍ كَمَا هُنَا. قَالَ فِي الِانْتِصَارِ: إنَّ غَيْرَ النَّبِيِّ إنَّمَا يَقُولُ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ وَهْمٌ مَنْشَؤُهُ تَوَهُّمُ أَنَّ مَعْنَى وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ إنِّي أَوَّلُ شَخْصٍ أَتَّصِفَ بِذَلِكَ بَعْدَ أَنْ كَانَ النَّاسُ بِمَعْزِلٍ عَنْهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ. بَلْ مَعْنَاهُ الْمُسَارَعَةُ فِي الِامْتِثَالِ لِمَا أَمَرَ بِهِ وَنَظِيرُهُ: {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} [الزخرف: ٨١] وَقَالَ مُوسَى: {وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} [الأعراف: ١٤٣] وَظَاهِرُ الْإِطْلَاقِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي قَوْلِهِ " وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ " وَقَوْلِهِ " وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ " بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَهُوَ صَحِيحٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>