للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

وَالتِّرْمِذِيِّ وَهَذَا مُلْتَزَمٌ فَإِنَّ أَحَادِيثَ فَرْضِيَّتِهَا تَسْتَلْزِمُ وُجُوبَ تَعَلُّمِهَا لِأَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ وَاجِبٌ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ

وَمَا فِي حَدِيثِ الْمُسِيءِ لَا يَدُلُّ عَلَى بُطْلَان اللَّازِمِ لِأَنَّ ذَلِكَ فَرَضَهُ حِينَ لَا قُرْآنَ مَعَهُ عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ تَقْيِيدُهُ بِعَدَمِ الِاسْتِطَاعَةِ لِتَعَلُّمِ الْقُرْآنِ كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى عِنْدَ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَأَحْمَدَ وَابْنِ الْجَارُودِ وَابْنِ حِبَّانَ وَالْحَاكِمِ وَالدَّارَقُطْنِيّ: «أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنِّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ آخُذَ مِنْ الْقُرْآنِ شَيْئًا فَعَلِّمْنِي مَا يُجْزِئُنِي فِي صَلَاتِي فَقَالَ: قُلْ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ» وَلَا شَكَّ أَنَّ غَيْرَ الْمُسْتَطِيعِ لَا يُكَلَّفُ لِأَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ شَرْطٌ فِي التَّكْلِيفِ فَالْعُدُولُ هَهُنَا إلَى الْبَدَلِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْمُبْدَلِ غَيْرُ قَادِحٍ فِي فَرْضِيَّتِهِ أَوْ شَرْطِيَّتِهِ. وَمِنْ أَدِلَّتِهِمْ مَا فِي حَدِيثِ الْمُسِيءِ بِلَفْظِ: «ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ» وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّهُ قَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثِ الْمُسِيءِ أَيْضًا عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد وَابْنِ حِبَّانَ بِلَفْظِ: «ثُمَّ اقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ»

فَقَوْلُهُ " مَا تَيَسَّرَ " مُجْمَلٌ مُبَيَّنٌ أَوْ مُطْلَقٌ مُقَيَّدٌ أَوْ مُبْهَمٌ مُفَسَّرٌ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْفَاتِحَةَ كَانَتْ هِيَ الْمُتَيَسِّرَةَ لِحِفْظِ الْمُسْلِمِينَ لَهَا، وَقَدْ قِيلَ إنَّ الْمُرَادَ بِمَا تَيَسَّرَ فِيمَا زَادَ عَلَى الْفَاتِحَةِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ، لِأَنَّ حَدِيثَ الْفَاتِحَةِ زِيَادَةٌ وَقَعَتْ غَيْرَ مُعَارِضَةٍ وَهَذَا حَسَنٌ. وَقِيلَ إنَّ ذَلِكَ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ تَعْيِينِ الْفَاتِحَةِ، وَقَدْ تُعُقِّبَ الْقَوْلُ بِالْإِجْمَالِ وَالْإِطْلَاقِ وَالنَّسْخِ، وَالظَّاهِرُ الْإِبْهَامُ وَالتَّفْسِيرُ، وَهَذَا الْكَلَامُ إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ حَدِيثَ الْمُسِيءِ يَصْرِفُ مَا وَرَدَ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَدِلَّةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْفَرْضِيَّةِ. وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يُؤْخَذُ بِالزَّائِدِ فَالزَّائِدِ، فَلَا إشْكَالَ فِي تَحَتُّمِ الْمَصِيرِ إلَى الْقَوْلِ بِالْفَرْضِيَّةِ بَلْ الْقَوْلُ بِالشَّرْطِيَّةِ لِمَا عَرَفْت وَمِنْ أَدِلَّتِهِمْ أَيْضًا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ بِلَفْظِ: «لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ أَوْ غَيْرِهَا»

قَالَ ابْنُ سَيِّدِ النَّاسِ: لَا يُدْرَى بِهَذَا اللَّفْظِ مِنْ أَيْنَ جَاءَ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُد أَنَّهُ قَالَ: «أُمِرْنَا أَنْ نَقْرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَمَا تَيَسَّرَ» وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ، وَمِنْ أَدِلَّتِهِمْ أَيْضًا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد بِلَفْظِ: «لَا صَلَاةَ إلَّا بِقُرْآنٍ وَلَوْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» وَيُجَابُ بِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ جَعْفَرِ بْنِ مَيْمُونٍ وَلَيْسَ بِثِقَةٍ كَمَا قَالَ النَّسَائِيّ. وَقَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ بِقَوِيٍّ فِي الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: يُكْتَبُ حَدِيثُهُ فِي الضُّعَفَاءِ. وَأَيْضًا قَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُنَادِيَ أَنَّهُ «لَا صَلَاةَ إلَّا بِقِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَمَا زَادَ» كَمَا سَيَأْتِي وَلَيْسَتْ الرِّوَايَةُ الْأُولَى بِأَوْلَى مِنْ هَذِهِ. وَأَيْضًا أَيْنَ تَقَعُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ عَلَى فَرْضِ صِحَّتِهَا بِجَنْبِ الْأَحَادِيثِ الْمُصَرِّحَةِ بِفَرْضِيَّةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَعَدَمِ إجْزَاءِ الصَّلَاةِ بِدُونِهَا

(وَمِنْ أَدِلَّتِهِمْ) أَيْضًا مَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّهُ لَمَّا مَرِضَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ حَدِيثَ صَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ بِالنَّاسِ وَمَجِيءِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَيْهِمْ وَفِيهِ: فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَأْتَمُّ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالنَّاسُ يَأْتَمُّونَ بِأَبِي بَكْرٍ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْقِرَاءَةِ مِنْ حَيْثُ كَانَ بَلَغَ

<<  <  ج: ص:  >  >>