بَابُ الْحُجَّةِ فِي الصَّلَاةِ بِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأُبَيُّ
ــ
[نيل الأوطار]
الْحَدِيثُ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ: صَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ: إنَّ إسْنَادَهُ صَحِيحٌ. وَالْحَدِيثُ اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ مَا تَضَمَّنَهُ مِنْ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَوَاتِ لِمَا عَرَفْت مِنْ إشْعَارِ لَفْظِ كَانَ بِالْمُدَاوَمَةِ. قِيلَ: فِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى ذَلِكَ نَظَرٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَشْبَهَ صَلَاةً يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي مُعْظَمِ الصَّلَاةِ لَا فِي جَمِيعِ أَجْزَائِهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُ هَذَا
وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي جَوَابِهِ إنَّ الْخَبَرَ ظَاهِرٌ فِي الْمُشَابَهَةِ فِي جَمِيعِ الْأَجْزَاءِ فَيُحْمَلُ عَلَى عُمُومِهِ حَتَّى يَثْبُتَ مَا يُخَصِّصُهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ وَالظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَأَمَّا الْمَغْرِبِ فَقَدْ عَرَفْت مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَسْتَمِرَّ عَلَى قِرَاءَةِ قِصَارِ الْمُفَصَّلِ فِيهَا بَلْ قَرَأَ فِيهَا بِطُولَى الطُّولَيَيْنِ وَبِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ وَكَانَتْ قِرَاءَتُهُ فِي آخِرِ صَلَاةٍ صَلَّاهَا بِالْمُرْسَلَاتِ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ كَمَا تَقَدَّمَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ: وَطَرِيقُ الْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أَحْيَانًا يُطِيلُ الْقِرَاءَةَ فِي الْمَغْرِبِ إمَّا لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَإِمَّا لِعِلْمِهِ بِعَدَمِ الْمَشَقَّةِ عَلَى الْمَأْمُومِينَ وَلَكِنَّهُ يَقْدَحُ فِي هَذَا الْجَمْعِ مَا فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ إنْكَارِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَلَى مَرْوَانَ مُوَاظَبَتَهُ عَلَى قِصَارِ الْمُفَصَّلِ فِي الْمَغْرِبِ وَلَوْ كَانَتْ قِرَاءَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السُّوَرَ الطَّوِيلَةَ فِي الْمَغْرِبِ لِبَيَانِ الْجَوَازِ لَمَا كَانَ مَا فَعَلَهُ مَرْوَانُ مِنْ الْمُوَاظَبَةِ عَلَى قِصَارِ الْمُفَصَّلِ إلَّا مَحْضَ السُّنَّةِ وَلَمْ يَحْسُنْ مِنْ هَذَا الصَّحَابِيِّ الْجَلِيلِ إنْكَارُ مَا سَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وم يَفْعَلْ غَيْرَهُ إلَّا لِبَيَانِ الْجَوَازِ، وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لَمَا سَكَتَ مَرْوَانُ عَنْ الِاحْتِجَاجِ بِمُوَاظَبَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ذَلِكَ فِي مَقَامِ الْإِنْكَارِ عَلَيْهِ وَأَيْضًا بَيَانُ الْجَوَازِ يَكْفِي فِيهِ مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ، وَقَدْ عَرَفْت أَنَّهُ قَرَأَ بِالسُّوَرِ الطَّوِيلَةِ مَرَّاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ وَذَلِكَ يُوجِبُ تَأْوِيلَ لَفْظِ كَانَ الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى الدَّوَامِ بِمِثْلِ مَا قَدَّمْنَا
فَالْحَقُّ أَنَّ الْقِرَاءَةَ فِي الْمَغْرِبِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ وَقِصَارِهِ وَسَائِرِ السُّوَرِ سُنَّةٌ وَالِاقْتِصَارُ عَلَى نَوْعٍ مِنْ ذَلِكَ إنْ انْضَمَّ إلَيْهِ اعْتِقَادٌ أَنَّهُ السُّنَّةُ دُونَ غَيْرِهِ مُخَالِفٌ لِهَدْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قَوْلُهُ: (بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ) قَدْ اُخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِ الْمُفَصَّلِ عَلَى عَشْرَةِ أَقْوَالٍ ذَكَرَهَا صَاحِبُ الْقَامُوسِ وَغَيْرُهُ وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي بَابِ وَقْتِ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ مِنْ أَبْوَابِ الْأَوْقَاتِ. قَوْلُهُ: (وَيَقْرَأُ فِي الْأُولَيَيْنِ مِنْ الْعِشَاءِ مِنْ وَسَطِ الْمُفَصَّلِ) قَدْ تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُ بِالْقِرَاءَةِ بِ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: ١] {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} [الشمس: ١] {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [الليل: ١] وَهَذِهِ السُّوَرُ مِنْ أَوْسَاطِ الْمُفَصَّلِ، وَزَادَ مُسْلِمٌ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِقِرَاءَةِ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: ١] وَزَادَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ الضُّحَى وَفِي رِوَايَةٍ لِلْحُمَيْدِيِّ بِزِيَادَةِ {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ} [البروج: ١] {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ} [الطارق: ١] وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ قِصَّةَ مُعَاذٍ كَانَتْ فِي صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَثَبَتَ «أَنَّهُ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الْعِشَاءِ بِالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَنَحْوِهَا مِنْ السُّوَرِ» ، أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ، وَأَنَّهُ قَرَأَ فِيهَا بِ {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} [التين: ١] أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ، «وَأَنَّهُ قَرَأَ بِ {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق: ١] » أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute