للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

بِحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ الَّذِي سَيَأْتِي، فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِعَادَةِ. وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ عَدَمَ حِكَايَةِ الْأَمْرِ بِالْإِعَادَةِ لَا يَسْتَلْزِمُ الْعَدَمَ، وَغَايَتُهُ أَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ إلَيْنَا فَيَرْجِعْ إلَى غَيْرِهِ مِنْ الْأَدِلَّةِ، كَذَا قِيلَ. وَيُجَابُ أَيْضًا عَنْ الِاسْتِدْلَالِ بِحَدِيثِ «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ» أَنَّ الْمُرَادَ رَفْعُ الْإِثْمِ لَا الْحُكْمِ فَإِنَّ اللَّهَ أَوْجَبَ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ الْكَفَّارَةَ عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَ مِمَّا لَا يَنْتَهِضُ لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ. وَقَدْ اسْتَوْفَى الْحَافِظُ الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي بَابِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ مِنْ التَّلْخِيصِ. وَيُجَابُ عَنْ الِاحْتِجَاجِ بِحَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ بِأَنَّ كَلَامَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَعَ وَهُوَ غَيْرُ مُتَّصِلٍ، وَبِنَاؤُهُ عَلَى مَا قَدْ فَعَلَ قَبْلَ الْكَلَامِ لَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ مَا وَقَعَ قَبْلَهُ مِنْهَا. قَوْلُهُ: (فِي الْحَدِيثِ حَتَّى نَزَلَتْ {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: ٢٣٨] ، فِيهِ إطْلَاقُ الْقُنُوتِ عَلَى السُّكُوتِ.

قَالَ زَيْنُ الدِّينِ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ: وَذَكَرَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ أَنَّ لَهُ عَشْرَةَ مَعَانٍ، قَالَ: وَقَدْ نَظَمْتُهَا فِي بَيْتَيْنِ بِقَوْلِي:

وَلَفْظُ الْقُنُوتِ اُعْدُدْ مَعَانِيهِ تَجِدْ ... مَزِيدًا عَلَى عَشْرِ مَعَانٍ مَرْضِيَّهْ

دُعَاءُ خُشُوعٍ وَالْعِبَادَةُ طَاعَةٌ ... إقَامَتُهَا إقْرَارُنَا بِالْعُبُودِيَّةِ

سُكُوتُ صَلَاةٍ وَالْقِيَامُ وَطُولُهُ ... كَذَاكَ دَوَامُ الطَّاعَةِ الرِّبْحُ الْفِيَّهْ

قَوْلُهُ: (وَنُهِينَا عَنْ الْكَلَامِ) هَذِهِ الزِّيَادَةِ لَيْسَتْ لِلْجَمَاعَةِ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَإِنَّمَا زَادَهَا مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد. وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِزِيَادَتِهَا عَلَى مَسْأَلَةٍ أُصُولِيَّةٍ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ قَوْلُهُ: أُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ وَنُهِينَا عَنْ الْكَلَامِ يُعْطَى بِظَاهِرِهِ أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ لَيْسَ نَهْيًا عَنْ ضِدِّهِ وَالْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ مَبْسُوطٌ فِي الْأُصُولِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَعْدَ أَنْ سَاقَ الْحَدِيثَ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَحْرِيمَ الْكَلَامِ كَانَ بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ؛ لِأَنَّ زَيْدًا مَدَنِيٌّ، وَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَكَلَّمُونَ خَلْفَ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّلَاةِ إلَى أَنْ نُهُوا، انْتَهَى. وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَيْضًا اتِّفَاقُ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: ٢٣٨] نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ وَلَكِنَّهُ يُشْكِلُ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ الْآتِي بَعْدَ هَذَا، فَإِنَّ فِيهِ أَنَّهُ لَمَّا رَجَعَ مِنْ عِنْدِ النَّجَاشِيِّ كَانَ تَحْرِيمُ الْكَلَامِ، وَكَانَ رُجُوعُهُ مِنْ الْحَبَشَةِ مِنْ عِنْدِ النَّجَاشِيِّ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ.

وَقَدْ أَجَابَ عَنْ ذَلِكَ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فَقَالَ: تَوَهَّمَ مَنْ لَمْ يَطْلُبْ الْعِلْمَ مِنْ مَظَانِّهِ أَنَّ نَسْخَ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ كَانَ بِالْمَدِينَةِ قَالَ: وَلَيْسَ مِمَّا يَذْهَبُ إلَيْهِ الْوَهْمُ فِيهِ فِي شَيْءٍ مِنْهُ وَذَلِكَ لِأَنَّ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ كَانَ مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ الَّذِينَ أَسْلَمُوا بِالْمَدِينَةِ وَصَلَّوْا بِهَا قَبْلَ هِجْرَةِ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانُوا يُصَلُّونَ بِالْمَدِينَةِ كَمَا يُصَلِّي الْمُسْلِمُونَ بِمَكَّةَ فِي إبَاحَةِ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ لَهُمْ فَلَمَّا نُسِخَ ذَلِكَ بِمَكَّةَ نُسِخَ كَذَلِكَ بِالْمَدِينَةِ فَحَكَى زَيْدٌ مَا كَانُوا عَلَيْهِ لَا أَنَّ زَيْدًا حَكَى مَا لَمْ يَشْهَدْهُ فِي الصَّلَاةِ، وَهَذَا الْجَوَابُ يَرُدُّهُ قَوْلُ زَيْدٍ الْمُتَقَدِّمُ: " كُنَّا نَتَكَلَّمُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ". وَأَيْضًا قَدْ ذَكَرَ ابْنُ حِبَّانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>