٨٢٣ - (وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَيَرُدُّ عَلَيْنَا، فَلَمَّا رَجَعْنَا مِنْ عِنْدِ النَّجَاشِيِّ سَلَّمْنَا عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْنَا، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَيْك فِي الصَّلَاةِ فَتَرُدُّ عَلَيْنَا؟ فَقَالَ: إنَّ فِي الصَّلَاةِ لَشُغْلًا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَفِي رِوَايَةٍ: «كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ كُنَّا بِمَكَّةَ قَبْلَ أَنْ نَأْتِيَ أَرْضَ الْحَبَشَةِ، فَلَمَّا قَدِمْنَا مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ أَتَيْنَاهُ فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ فَأَخَذَنِي مَا قَرُبَ وَمَا بَعُدَ حَتَّى قَضَوْا
ــ
[نيل الأوطار]
نَفْسُهُ أَنَّ نَسْخَ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ كَانَ عِنْدَ رُجُوعِ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِثَلَاثِ سِنِينَ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَمْ يَكُنْ الْأَنْصَارُ حِينَئِذٍ قَدْ صَلَّوْا وَلَا أَسْلَمُوا، فَإِنَّ إسْلَامَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ كَانَ حِينَ أَتَى النَّفَرُ السِّتَّةُ مِنْ الْخَزْرَجِ عِنْدَ الْعَقَبَةِ فَدَعَاهُمْ إلَى اللَّهِ فَآمَنُوا ثُمَّ جَاءَ فِي الْمَوْسِمِ الثَّانِي مِنْهُمْ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا فَبَايَعُوهُ وَهِيَ بَيْعَةُ الْعَقَبَةِ الْأُولَى ثُمَّ جَاءُوا فِي الْمَوْسِمِ الثَّالِثِ فَبَايَعُوهُ بَيْعَةَ الْعَقَبَةِ الثَّانِيَةِ ثُمَّ هَاجَرَ إلَيْهِمْ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ فَكَانَ إسْلَامُهُمْ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَتَيْنِ وَثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ.
وَأَجَابَ الْعِرَاقِيُّ عَنْ ذَلِكَ الْإِشْكَالِ بِأَنَّ الرِّوَايَةَ الصَّحِيحَةَ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهَا فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ هِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجَابَهُ بِقَوْلِهِ: «إنَّ فِي الصَّلَاةِ لَشُغْلًا» فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى ذَلِكَ مِنْهُ اجْتِهَادًا قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ. قَالَ: وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الَّتِي فِيهَا «إنَّ اللَّهَ قَدْ أَحْدَثَ مِنْ أَمْرِهِ أَنْ لَا يُتَكَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ» فَلَا تُقَاوِمُ الرِّوَايَةَ الْأُولَى لِلِاخْتِلَافِ فِي رَاوِيهَا وَعَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهَا فَلَعَلَّهُ أُوحِيَ إلَيْهِ ذَلِكَ بِوَحْيٍ غَيْرِ الْقُرْآنِ.
وَفِي أَنَّ التَّرْجِيحَ فَرْعُ التَّعَارُضِ وَلَا تَعَارُضَ لِأَنَّ رِوَايَةَ " أَنْ لَا تَتَكَلَّمُوا " زِيَادَةٌ ثَابِتَةٌ مِنْ وَجْهٍ مُعْتَبَرٍ كَمَا سَيَأْتِي فَقَبُولُهَا مُتَعَيَّنٌ.
وَأَمَّا الِاعْتِذَارُ بِأَنَّهَا بِوَحْيٍ غَيْرِ قُرْآنٍ. فَذَلِكَ غَيْرُ نَافِعٍ لِأَنَّ النِّزَاعَ فِي كَوْنِ التَّحْرِيمِ لِلْكَلَامِ فِي مَكَّةَ أَوْ فِي الْمَدِينَةِ لَا فِي خُصُوصِ أَنَّهُ بِالْقُرْآنِ وَمِنْ جُمْلَةِ مَا أُجِيبُ بِهِ عَنْ ذَلِكَ الْإِشْكَالِ أَنَّ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ مِمَّنْ لَمْ يَبْلُغْهُ تَحْرِيمُ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ إلَّا حِينَ نُزُولِ الْآيَةِ وَيَرُدُّ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ الْبَابِ: " يُكَلِّمُ الرَّجُلُ مِنَّا صَاحِبَهُ " وَأَنَّ ذَلِكَ كَانَ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ تَكْلِيمَ بَعْضِهِمْ بَعْضًا فِي الصَّلَاةِ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَرَاهُمْ مِنْ خَلْفِهِ كَمَا صَحَّ عَنْهُ. وَمِنْ الْأَجْوِبَةِ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ نُسِخَ بِمَكَّةَ ثُمَّ أُبِيحَ ثُمَّ نُسِخَتْ الْإِبَاحَةُ بِالْمَدِينَةِ.
وَمِنْهَا حَمْلُ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَلَى تَحْرِيمِ الْكَلَامِ لِغَيْرِ مَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ وَحَدِيثِ زَيْدٍ عَلَى تَحْرِيمِ سَائِرِ الْكَلَامِ. وَمِنْهَا تَرْجِيحُ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَالْمَصِيرُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ حَكَى فِيهِ حَدِيثَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ ذَلِكَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَالْقَاضِي وَأَبُو الطَّيِّبِ. وَمِنْهَا أَنَّ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ أَرَادَ " بِقَوْلِهِ كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي الصَّلَاةِ - الْحِكَايَةُ عَمَّنْ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي مَكَّةَ كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ: فَعَلْنَا كَذَا وَهُوَ يُرِيدُ بَعْضَ قَوْمِهِ، ذَكَرَ مَعْنَى ذَلِكَ ابْنُ حِبَّانَ وَهُوَ بَعِيدٌ.
٨٢٣ - (وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَيَرُدُّ عَلَيْنَا، فَلَمَّا رَجَعْنَا مِنْ عِنْدِ النَّجَاشِيِّ سَلَّمْنَا عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْنَا، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَيْك فِي الصَّلَاةِ فَتَرُدُّ عَلَيْنَا؟ فَقَالَ: إنَّ فِي الصَّلَاةِ لَشُغْلًا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَفِي رِوَايَةٍ: «كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ كُنَّا بِمَكَّةَ قَبْلَ أَنْ نَأْتِيَ أَرْضَ الْحَبَشَةِ، فَلَمَّا قَدِمْنَا مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ أَتَيْنَاهُ فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ فَأَخَذَنِي مَا قَرُبَ وَمَا بَعُدَ حَتَّى قَضَوْا الصَّلَاةَ، فَسَأَلْته فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ مَا يَشَاءُ وَإِنَّهُ قَدْ أَحْدَثَ مِنْ أَمْرِهِ أَنْ لَا نَتَكَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute