. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
وَالسِّنَّوْرُ دُونَ الْمَرْأَةِ وَلَعَلَّ دَلِيلَهَا عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَتْهُ مِنْ اعْتِرَاضِهَا بَيْنَ يَدَيْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا تَقَدَّمَ. وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ الِاعْتِرَاضَ غَيْرُ الْمُرُورِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْهَا أَنَّهَا رَوَتْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَنَّ الْمَرْأَةَ تَقْطَعُ الصَّلَاةَ» فَهِيَ مَحْجُوجَةٌ بِمَا رَوَتْ
وَيُمْكِنُ الِاسْتِدْلَال بِحَدِيثِ أَمِّ سَلَمَةَ وَسَيَأْتِي مَا عَلَيْهِ. وَذَهَبَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ إلَى أَنَّهُ يَقْطَعُهَا الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ فَقَطْ، وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَائِشَةَ. وَدَلِيلُ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ الْآتِي أَخْرَجَ الْحِمَارَ، وَحَدِيثَ أُمِّ سَلَمَةَ الْآتِي أَيْضًا. وَكَذَلِكَ حَدِيثُ عَائِشَةَ الْمُتَقَدِّمُ أَخْرَجَ الْمَرْأَةَ، وَالتَّقْيِيدُ بِالْأَسْوَدِ أَخْرَجَ مَا عَدَاهُ مِنْ الْكِلَابِ
وَحَدِيثُ " أَنَّ الْخِنْزِيرَ وَالْمَجُوسِيَّ وَالْيَهُودِيَّ يَقْطَعُ " لَا تَقُومُ بِمِثْلِهِ حُجَّةٌ كَمَا تَقَدَّمَ فِيهِ. وَأَنَّ حَدِيثَ عَائِشَةَ الْمُتَقَدِّمَ مُشْتَمِلٌ عَلَى ذِكْر الْكَافِرِ، وَرِجَالُ إسْنَادِهِ ثِقَاتٌ كَمَا عَرَفْتَ. وَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَحَكَاهُ النَّوَوِيُّ عَنْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، وَرَوَاهُ الْمَهْدِيُّ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْعِتْرَةِ: أَنَّهُ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ مُرُورُ شَيْءٍ
قَالَ النَّوَوِيُّ: وَتَأَوَّلَ هَؤُلَاءِ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَطْعِ نَقْصُ الصَّلَاةِ لِشُغْلِ الْقَلْبِ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ إبْطَالَهَا. وَمِنْهُمْ مَنْ يَدَّعِي النَّسْخَ بِالْحَدِيثِ الْآخَرِ " لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ وَادْرَءُوا مَا اسْتَطَعْتُمْ " قَالَ: وَهَذَا غَيْرُ مَرْضِيٍّ؛ لِأَنَّ النَّسْخَ لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَتَأْوِيلِهَا وَعَلِمْنَا التَّارِيخَ وَلَيْسَ هُنَا تَارِيخٌ، وَلَا تَعَذَّرَ الْجَمْعُ وَالتَّأْوِيلُ، بَلْ يُتَأَوَّلُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، مَعَ أَنَّ حَدِيثَ «لَا يَقْطَعُ صَلَاةَ الْمَرْءِ شَيْءٌ» ضَعِيفٌ انْتَهَى
وَرُوِيَ الْقَوْلُ بِالنَّسْخِ عَنْ الطَّحَاوِيِّ وَابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ، وَاسْتَدَلَّا عَلَى تَأَخُّرِ تَارِيخِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْآتِي بِأَنَّهُ كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَهِيَ فِي سَنَةِ عَشْرٍ وَفِي آخِر حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَى تَأَخُّرِ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَحَدِيثِ مَيْمُونَةَ الْمُتَقَدِّمَيْنِ. وَحَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ الْآتِي بِأَنَّ مَا حَكَاهُ زَوْجَاتُهُ عَنْهُ يُعْلَمُ تَأَخُّرُهُ لِكَوْنِ صَلَاتِهِ بِاللَّيْلِ عِنْدَهُنَّ، وَلَمْ يَزَلْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى مَاتَ خُصُوصًا مَعَ عَائِشَةَ مَعَ تَكْرَارِ قِيَامِهِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ، فَلَوْ حَدَثَ شَيْءٌ مِمَّا يُخَالِفُ ذَلِكَ لَعَلِمْنَ بِهِ
وَعَلَى تَسْلِيمِ صِحَّةِ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ عَلَى التَّأَخُّرِ لَا يَتِمُّ بِهِ الْمَطْلُوبُ مِنْ النَّسْخِ أَمَّا أَوَّلًا فَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ حَدِيثَ عَائِشَةَ وَمَيْمُونَةَ خَارِجَانِ عَنْ مَحَلِّ النِّزَاعِ وَحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ أَخَصُّ مِنْ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي فِيهِ مُرُورُ الصَّغِيرِ بَيْنَ يَدَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ لَيْسَ فِيهِ إلَّا مُرُورُ الْأَتَانِ فَهُوَ أَخَصُّ مِنْ الدَّعْوَى. وَأَمَّا ثَانِيًا فَالْخَاصُّ بِهَذِهِ الْأُمُورِ لَا يَصْلُحُ لِنَسْخِ مَا اشْتَمَلَ عَلَى زِيَادَةٍ عَلَيْهَا لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ وُجُوبِ بِنَاءِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ مُطْلَقًا
وَأَمَّا ثَالِثًا فَقَدْ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بِمَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا رَابِعًا فَيُمْكِنُ الْجَمْعُ أَيْضًا بِأَنْ يُحْمَلَ حَدِيثُ عَائِشَةَ وَمَيْمُونَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ عَلَى صَلَاةِ النَّفْلِ وَهُوَ يُغْتَفَرُ فِيهِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْفَرْضِ، عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ اجْتَزَأَ بِتِلْكَ الصَّلَاةِ، أَوْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ فِي غَيْرِ حَالَةِ الْحَيْضِ. وَالْحُكْمُ بِقَطْعِ الْمَرْأَةِ لِلصَّلَاةِ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَتْ حَائِضًا كَمَا تَقَدَّمَ
وَأَيْضًا قَدْ عَرَفْتَ أَنَّ وُقُوعَ ثَوْبِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى