. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
مَيْمُونَةَ لَا يَسْتَلْزِمُ أَنَّهَا بَيْنَ يَدَيْهِ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَسْتَلْزِمَ الْمُرُورَ. وَكَذَلِكَ اعْتِرَاضُ عَائِشَةَ لَا يَسْتَلْزِمُ الْمُرُورَ وَيُحْمَلُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى أَنَّ صَلَاتَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ إلَى سُتْرَةٍ، وَمَعَ وُجُودِ السُّتْرَةِ لَا يَضُرُّ مُرُورُ شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ الْمُتَقَدِّمَةِ كَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، " وَيَقِيَ مِنْ ذَلِكَ مِثْلُ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ "
وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ: «فَإِنَّهُ يَسْتُرُهُ إذَا كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلُ آخِرَةِ الرَّحْلِ» وَلَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الْجِدَارِ، كَمَا سَيَأْتِي فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَفْيُ سُتْرَةٍ أُخْرَى مِنْ حَرْبَةٍ أَوْ غَيْرِهَا كَمَا ذَكَرَهُ الْعِرَاقِيُّ. وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا أَنَّ الْبُخَارِيَّ بَوَّبَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ بَابَ (سُتْرَةِ الْإِمَامِ سُتْرَةٌ لِمَنْ خَلْفَهُ) فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي إلَى سُتْرَةٍ.
لَا يُقَالُ: قَدْ ثَبَتَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ عِنْدَ الْبَزَّارِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ بِلَفْظِ: " لَيْسَ شَيْءٌ بِسُتْرَةٍ تَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ " لِأَنَّا نَقُولُ: لَمْ يَنْفِ السُّتْرَةَ مُطْلَقًا، إنَّمَا نَفَى السُّتْرَةَ الَّتِي تَحُولُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ كَالْجِدَارِ الْمُرْتَفِعِ الَّذِي يَمْنَعُ الرُّؤْيَةَ بَيْنَهُمَا، وَقَدْ صَرَّحَ بِمِثْلِ هَذَا الْعِرَاقِيُّ، وَلَوْ سَلِمَ أَنَّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ السُّتْرَةِ مُطْلَقًا؛ لَأَمْكَنَ الْجَمْعُ بِوَجْهٍ آخَرَ، ذَكَرَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ، وَهُوَ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ كَمَا سَيَأْتِي، وَلَمْ يُنْكِرُ ذَلِكَ عَلَى أَحَدٍ، وَلَمْ يَقُلْ: وَلَمْ يُنْكِرْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرُورَ كَانَ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ وَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ مِنْ اطِّلَاعِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الصَّفُّ مُمْتَدًّا وَلَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ
وَلَا يُقَالُ: إنَّ قَوْلَهُ: " أَحَدٌ " يَشْمَلُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلِاسْتِدْلَالِ بِعَدَمِ الْإِنْكَارِ مِنْ غَيْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ حَضْرَتِهِ، وَلَوْ سَلِمَ اطِّلَاعُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ذَلِكَ كَمَا وَرَدَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الصَّحِيحِ بِلَفْظِ: " فَلَمْ يُنْكَرْ ذَلِكَ عَلَيَّ " بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى الْجَوَازِ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْإِنْكَارِ إنَّمَا كَانَ لِأَجْلِ أَنَّ الْإِمَامَ سُتْرَةٌ لِلْمُؤْتَمِّينَ كَمَا تَقَدَّمَ وَسَيَأْتِي، وَلَا قَطْعَ مَعَ السُّتْرَةِ لِمَا عَرَفْتَ، وَلَوْ سَلِمَ صِحَّةُ الِاسْتِدْلَالِ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى الْجَوَازِ وَخُلُوصِهِ مِنْ شَوَائِبِ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ لَكَانَ غَايَتُهُ أَنَّ الْحِمَارَ لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ وَيَبْقَى مَا عَدَاهُ
وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال بِحَدِيثِ " لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ " فَسَتَعْرِفُ عَدَمَ انْتِهَاضِهِ لِلِاحْتِجَاجِ، وَلَوْ سَلِمَ انْتِهَاضُهُ فَهُوَ عَامٌّ مُخَصِّصٌ لِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ، أَمَّا عِنْدَ مَنْ يَقُولُ: إنَّهُ يُبْنَى الْعَامُّ عَلَى الْخَاصِّ مُطْلَقًا فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا عِنْدَ مَنْ يَقُولُ: إنَّ الْعَامَّ الْمُتَأَخِّرَ نَاسِخٌ فَلَا تَأَخُّرَ لِعَدَمِ الْعِلْم بِالتَّارِيخِ، وَمَعَ عَدَم الْعِلْمِ يُبْنَى الْعَامُّ عَلَى الْخَاصِّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ
وَقَدْ ادَّعَى أَبُو الْحُسَيْنِ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّعَارُضِ بَيْنَ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ مَعَ جَهْلِ التَّارِيخِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ جُمْهُورِ الزَّيْدِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ وَالْقَاضِي عَبْدِ الْجَبَّارِ وَالْبَاقِلَّانِيّ، فَلَا شَكَّ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الْخَاصَّةَ فِيمَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ أَرْجَحُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ الْعَامِّ إذَا تَقَرَّرَ لَكَ مَا أَسْلَفْنَا عَرَفْتَ أَنَّ الْكَلْبَ الْأَسْوَدَ وَالْمَرْأَةَ الْحَائِضَ يَقْطَعَانِ الصَّلَاةَ، وَلَمْ يُعَارِضْ الْأَدِلَّةَ الْقَاضِيَةَ بِذَلِكَ مُعَارِضٌ إلَّا ذَلِكَ الْعُمُومُ وَعَلَى الْمَذْهَبِ الثَّانِي، وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّهُ مَرْجُوحٌ. وَكَذَلِكَ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْخِنْزِيرُ وَالْمَجُوسِيُّ وَالْيَهُودِيُّ إنْ صَحَّ الْحَدِيثُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute