للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

الْآتِي. وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ أَشَارَ إلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ.

وَعَنْ عَلِيٍّ عِنْدَ أَبِي دَاوُد قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي فِي أَثَرِ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ رَكْعَتَيْنِ إلَّا الْفَجْرَ وَالْعَصْرَ» وَفِي الْبَابِ عَنْ جَمَاعَةٍ ذَكَرَهُمْ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ. قَوْلُهُ: (لَا صَلَاةَ) قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: صِيغَةُ النَّفْيِ إذَا دَخَلَتْ فِي أَلْفَاظِ الشَّارِعِ عَلَى فِعْلٍ كَانَ الْأَوْلَى حَمْلَهَا عَلَى نَفْيِ الْفِعْلِ الشَّرْعِيِّ لَا الْحِسِّيِّ، لِأَنَّا لَوْ حَمَلْنَاهُ عَلَى نَفْي الْحِسِّيّ لَاحْتَجْنَا فِي تَصْحِيحِهِ إلَى إضْمَارٍ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، وَإِذَا حَمَلْنَاهُ عَلَى الشَّرْعِيِّ لَمْ نَحْتَجْ إلَى إضْمَارٍ فَهَذَا وَجْهُ الْأَوْلَوِيَّةِ، وَعَلَى هَذَا فَهُوَ نَفْيٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ.

وَالتَّقْدِيرُ: لَا تُصَلُّوا، كَمَا تَقَدَّمَ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَسَيَأْتِي حَدِيثُ عَلِيٍّ، وَحَكَى أَبُو الْفَتْحِ الْيَعْمُرِيُّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ أَنَّهُمْ قَالُوا: إنَّ النَّهْيَ عَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَبَعْدَ الْعَصْرِ إنَّمَا هُوَ إعْلَامٌ بِأَنَّهُ لَا يَتَطَوَّعُ بَعْدَهُمَا وَلَمْ يَقْصِدْ الْوَقْتَ بِالنَّهْيِ كَمَا قُصِدَ بِهِ وَقْتُ الطُّلُوعِ وَوَقْتُ الْغُرُوبِ.

وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ عَنْ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تُصَلُّوا بَعْدَ الصُّبْحِ وَلَا بَعْدَ الْعَصْرِ إلَّا أَنْ تَكُونَ الشَّمْسُ نَقِيَّةً» .

وَفِي رِوَايَةٍ " مُرْتَفِعَةً " فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَعْدِيَّةِ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ وَقْتُ الطُّلُوعِ وَوَقْتُ الْغُرُوبُ وَمَا قَارَبَهُمَا كَذَا فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ: (بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ وَبَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ) هَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْكَرَاهَةَ مُتَعَلِّقَةٌ بِفِعْلِ الصَّلَاةِ لَا بِدُخُولِ وَقْتِ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ.

وَكَذَا قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى «لَا صَلَاةَ بَعْدَ الصَّلَاتَيْنِ» وَكَذَا قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ «لَا صَلَاةَ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ» وَكَذَا قَوْلُهُ: فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ الْآتِي «صَلِّ صَلَاةَ الصُّبْحِ ثُمَّ أَقْصِرْ» . وَقَوْله: «حَتَّى تُصَلِّيَ الْعَصْرَ ثُمَّ أَقْصِرْ» فَتُحْمَلُ الْأَحَادِيثُ الْمُطْلَقَةُ عَلَى الْأَحَادِيثِ الْمُقَيَّدَةِ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ.

، وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَبَعْدَ الْفَجْرِ، فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ، وَادَّعَى النَّوَوِيُّ الِاتِّفَاقَ عَلَى ذَلِكَ، وَتَعَقَّبَهُ الْحَافِظُ بِأَنَّهُ قَدْ حُكِيَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ الْإِبَاحَةُ مُطْلَقًا وَأَنَّ أَحَادِيثَ النَّهْيِ مَنْسُوخَةٌ.

قَالَ: وَبِهِ قَالَ دَاوُد وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ، وَبِذَلِكَ جَزَمَ ابْنُ حَزْمٍ، وَهُوَ أَيْضًا مَذْهَبُ الْهَادِي وَالْقَاسِمِ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ -، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِالْكَرَاهَةِ، فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَالْمُؤَيَّدُ بِاَللَّهِ إلَى أَنَّهُ يَجُوز مِنْ الصَّلَاةِ فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ مَا لَهُ سَبَبٌ. وَاسْتَدَلَّا بِصَلَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُنَّةَ الظُّهْر بَعْدَ الْعَصْرِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَنْ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ فِي بَابِ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ، وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى كَرَاهَةِ التَّطَوُّعَاتِ فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ مُطْلَقًا.

وَحُكِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرَةَ وَكَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ الْمَنْعُ مِنْ صَلَاةِ الْفَرْضِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ.

وَاسْتَدَلَّ الْقَائِلُونَ بِالْإِبَاحَةِ مُطْلَقًا بِأَدِلَّةٍ مِنْهَا دَعْوَى النَّسْخِ لِأَحَادِيثِ الْبَابِ، صَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ حَزْمٍ وَغَيْرُهُ وَجَعَلُوا النَّاسِخَ حَدِيثَ «مَنْ أَدْرَكَ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>