للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

صَلَاتِهِ فَلَا يَدْرِي مَا صَلَّى، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَحَرَّى الصَّوَابَ وَلْيَبْنِ عَلَى الْأَغْلَبِ عِنْدَهُ وَيَسْجُد سَجْدَتَيْ السَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ عَلَى خَبَرِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَالْبِنَاءُ عَلَى الْيَقِين هُوَ أَنْ يَشُكَّ فِي الثِّنْتَيْنِ وَالثَّلَاثِ، أَوْ الثَّلَاثِ وَالْأَرْبَعِ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى الْيَقِينِ وَهُوَ الْأَقَلُّ، وَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ ثُمَّ يَسْجُد سَجْدَتَيْ السَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ عَلَى خَبَرِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَأَبِي سَعِيدٍ وَمَا اخْتَارَهُ مِنْ التَّفْرِقَةِ بَيْن التَّحَرِّي وَالْبِنَاء عَلَى الْيَقِين قَالَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِيمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَدَاوُد وَابْن حَزْمٍ إنَّ التَّحَرِّيَ هُوَ الْبِنَاءُ عَلَى الْيَقِينِ، وَحَكَاهُ النَّوَوِيُّ عَنْ الْجُمْهُورِ.

الْقَوْلُ السَّابِعُ: أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ السَّاهِي بَيْنَ السُّجُودِ قَبْلَ السَّلَامِ وَبَعْدَهُ، سَوَاءٌ كَانَ لِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ، حَكَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي الْمُصَنَّفِ عَنْ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَحَكَاهُ الرَّافِعِيُّ قَوْلًا لِلشَّافِعِيِّ، وَرَوَاهُ الْمَهْدِيُّ فِي الْبَحْرِ عَنْ الطَّبَرِيِّ. وَدَلِيلُهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَحَّ عَنْهُ السُّجُودُ قَبْلَ السَّلَامِ وَبَعْدَهُ، فَكَانَ الْكُلُّ سُنَّةً. الْقَوْلُ الثَّامِنُ: أَنَّ مَحَلَّهُ كُلَّهُ بَعْدَ السَّلَامِ إلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ فَإِنَّ السَّاهِيَ فِيهِمَا مُخَيَّرٌ أَحَدُهُمَا: مَنْ قَامَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ وَلَمْ يَجْلِسْ وَلَمْ يَتَشَهَّدْ.

وَالثَّانِي: أَنْ لَا يَدْرِي أَصَلَّى رَكْعَةً أَمْ ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا، فَيَبْنِي عَلَى الْأَقَلِّ وَيُخَيَّرُ فِي السُّجُودِ، وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ الظَّاهِرِ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ. وَرَوَى النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنْ دَاوُد أَنَّهُ قَالَ: تُسْتَعْمَلُ الْأَحَادِيثُ فِي مَوَاضِعِهَا كَمَا جَاءَتْ.

قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: وَلَا خِلَافَ بَيْنَ هَؤُلَاءِ الْمُخْتَلِفِينَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَوْ سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ أَوْ بَعْدَهُ لِلزِّيَادَةِ أَوْ لِلنَّقْصِ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ وَلَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ، وَإِنَّمَا اخْتِلَافُهُمْ فِي الْأَفْضَلِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَأَقْوَى الْمَذَاهِبِ هُنَا مَذْهَبُ مَالِكٍ ثُمَّ الشَّافِعِيِّ.

وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ فِي مَذْهَبِ مَالِك: إنَّهُ رَأْيٌ لَا بُرْهَان عَلَى صِحَّتِهِ، قَالَ: وَهُوَ أَيْضًا مُخَالِفٌ لِلثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَمْرِهِ بِسُجُودِ السَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ مَنْ شَكَّ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى وَهُوَ سَهْوٌ زِيَادَةٍ، ثُمَّ قَالَ: لَيْتَ شِعْرِي مِنْ أَيْنَ لَهُمْ أَنَّ جَبْرَ الشَّيْءِ لَا يَكُونُ إلَّا فِيهِ لَا بَائِنًا عَنْهُ، وَهُمْ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ الْهَدْيَ وَالصِّيَامَ يَكُونَانِ جَبْرًا لِمَا نَقَصَ مِنْ الْحَجِّ وَهُمَا بَعْدَ الْخُرُوجِ عَنْهُ، وَأَنَّ عِتْقَ الرَّقَبَةِ أَوْ الصَّدَقَةَ أَوْ صِيَامَ الشَّهْرَيْنِ جَبْرٌ لِنَقْصِ وَطْء التَّعَمُّدِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، وَفِعْلُ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ إلَّا بَعْدَ تَمَامِهِ اهـ.

وَأَحْسَنُ مَا يُقَالُ فِي الْمَقَامِ إنَّهُ يَعْمَل عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ أَقْوَالُهُ وَأَفْعَالُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ السُّجُودِ قَبْلِ السَّلَامِ وَبَعْدَهُ، فَمَا كَانَ مِنْ أَسْبَابِ السُّجُودِ مُقَيَّدًا بِقَبْلِ السَّلَام سَجَدَ لَهُ قَبْلَهُ، وَمَا كَانَ مُقَيَّدًا بِبَعْدِ السَّلَامِ سَجَدَ لَهُ بَعْدَهُ، وَمَا لَمْ يَرِدْ تَقْيِيدُهُ بِأَحَدِهِمَا كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ السُّجُودِ قَبْلَ السَّلَامِ وَبَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ لِمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنغ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا زَادَ الرَّجُلُ أَوْ نَقَصَ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ» وَجَمِيعُ أَسْبَابِ السُّجُودِ لَا تَكُونُ إلَّا زِيَادَةً أَوْ نَقْصًا أَوْ مَجْمُوعَهُمَا، وَهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَدَّ مَذْهَبًا تَاسِعًا،

<<  <  ج: ص:  >  >>