للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

الِاسْتِدْبَارِ فِي الْبُنْيَانِ فَقَطْ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ ذَكَرَهُ فِي الْفَتْح.

الْمَذْهَبُ السَّابِعُ: التَّحْرِيمُ مُطْلَقًا حَتَّى فِي الْقِبْلَةِ الْمَنْسُوخَةِ وَهِيَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ إبْرَاهِيمَ وَابْنِ سِيرِينَ ذَكَره أَيْضًا فِي الْفَتْحِ وَقَدْ ذَهَبَ إلَى عَدَمِ الْفَرْق بَيْن الْقِبْلَتَيْنِ الْهَادَوِيَّةُ وَلَكِنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ مَكْرُوهٌ فَقَطْ.

الْمَذْهَبُ الثَّامِنُ: أَنَّ التَّحْرِيمَ مُخْتَصٌّ بِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ كَانَ عَلَى سَمْتهَا فَأَمَّا مَنْ كَانَتْ قِبْلَتُهُ فِي جِهَةِ الْمَشْرِقِ أَوْ الْمَغْرِب فَيَجُوزُ لَهُ الِاسْتِقْبَالُ وَالِاسْتِدْبَارُ مُطْلَقًا قَالَهُ أَبُو عَوَانَة صَاحِبُ الْمُزَنِيّ هَكَذَا فِي الْفَتْح. احْتَجَّ أَهْلُ الْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْوَارِدَةِ فِي النَّهْي مُطْلَقًا كَحَدِيثِ الْبَابِ وَحَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ وَحَدِيثِ سَلْمَانَ وَغَيْرهَا عَنْ غَيْرهمْ كَمَا تَقَدَّمَ قَالُوا: لِأَنَّ الْمَنْعَ لَيْسَ إلَّا لِحُرْمَةِ الْقِبْلَةِ وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الصَّحَارِي وَالْبُنْيَان وَلَوْ كَانَ مُجَرَّدَ الْحَائِلِ كَافِيًا لَجَازَ فِي الصَّحَارِي لِوُجُودِ الْحَائِل مِنْ جَبَل أَوْ وَادٍ أَوْ غَيْرهمَا مِنْ أَنْوَاعِ الْحَائِلِ.

وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيث ابْنَ عُمَرَ أَنَّهُ «رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُسْتَقْبِلَ الشَّامِ مُسْتَدْبِرَ الْكَعْبَةِ» بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ كَانَ ذَلِكَ بَعْد النَّهْي، وَبِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ النَّاسُ قَبْلَ النَّهْي فَهُوَ مَنْسُوخٌ صَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ حَزْمٍ. وَعَنْ حَدِيث جَابِرٍ الَّذِي قَالَ فِيهِ: «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِبَوْلٍ فَرَأَيْتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ بِعَامٍ يَسْتَقْبِلُهَا» بِأَنَّ فِيهِ أَبَانَ بْنَ صَالِحٍ وَلَيْسَ بِالْمَشْهُورِ قَالَهُ ابْنُ حَزْمٍ.

وَفِيهِ أَنَّهُ قَدْ حَسَّنَ الْحَدِيثَ التِّرْمِذِيُّ وَالْبَزَّارُ وَصَحَّحَهُ الْبُخَارِيُّ وَابْنُ السَّكَنِ.

وَالْأَوْلَى فِي الْجَوَاب عَنْهُ أَنَّ فِعْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُعَارِضُ الْقَوْلَ الْخَاصَّ بِنَا كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ، وَعَنْ حَدِيث عَائِشَةَ قَالَتْ: «ذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ نَاسًا يَكْرَهُونَ أَنْ يَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ بِفُرُوجِهِمْ فَقَالَ: أَوَقَدْ فَعَلُوهَا حَوِّلُوا مَقْعَدِي قِبَلَ الْقِبْلَةِ» بِأَنَّهُ مِنْ طَرِيق خَالِدِ بْنِ أَبِي الصَّلْت وَهُوَ مَجْهُول لَا نَدْرِي مَنْ هُوَ قَالَهُ ابْنُ حَزْمٍ، وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي تَرْجَمَته: إنَّ حَدِيث (حَوِّلُوا مَقْعَدِي) مُنْكَرٌ وَفِيهِ أَنَّهُ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْح مُسْلِمٍ: إنَّ إسْنَادَهُ حَسَن. وَاحْتَجَّ أَهْلُ الْمَذْهَبِ الثَّانِي بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ وَعَائِشَةَ، وَسَيَأْتِي ذِكْر مَنْ أَخْرَجَهَا فِي الْبَاب الَّذِي بَعْد هَذَا وَقَالُوا: إنَّهَا نَاسِخَةٌ لِلنَّهْيِ.

وَاحْتَجَّ أَهْلُ الْمَذْهَبِ الثَّالِثِ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي الْبُنْيَان قَالُوا: أَوْ وَبِهَذَا حَصَلَ الْجَمْعُ بَيْن الْأَحَادِيث وَالْجَمْعُ بَيْنهَا مَا أَمْكَنَ هُوَ الْوَاجِبُ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْح: وَهُوَ أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ لِإِعْمَالِهِ جَمِيعَ الْأَدِلَّةِ انْتَهَى. وَيَرُدّهُ حَدِيثُ جَابِرٍ الْآتِي فَإِنَّهُ لَمْ يُقَيِّدْ الِاسْتِقْبَالَ فِيهِ بِالْبُنْيَانِ، وَقَدْ يُجَاب بِأَنَّهَا حِكَايَةُ فِعْلٍ لَا عُمُومَ لَهَا، وَسَيَأْتِي تَحْقِيقُ الْكَلَامِ فِي الْبَاب الَّذِي بَعْد هَذَا. وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: إنَّمَا نَهَى عَنْ ذَلِكَ فِي الْفَضَاء كَمَا سَيَأْتِي، يُؤَيِّد هَذَا الْمَذْهَب.

وَاحْتَجَّ أَهْلُ الْمَذْهَبِ الرَّابِع بِحَدِيثِ سَلْمَانَ الَّذِي فِي صَحِيح مُسْلِمٍ وَلَيْسَ فِيهِ إلَّا النَّهْيُ عَنْ الِاسْتِقْبَال فَقَطْ وَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ الِاسْتِدْبَار فِي الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة وَهُوَ زِيَادَةٌ يَتَعَيَّنُ الْأَخْذُ بِهَا.

وَاحْتَجَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>