للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

أَهْلُ الْمَذْهَبِ الْخَامِسِ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ وَجَابِر وَابْن عُمَرَ وَسَيَأْتِي ذِكْر ذَلِكَ، قَالُوا: إنَّهَا صَارِفَةٌ لِلنَّهْيِ عَنْ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ التَّحْرِيمُ إلَى الْكَرَاهَةِ وَهُوَ لَا يَتِمُّ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَجَابِر؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِمَا إلَّا مُجَرَّد الْفِعْلِ وَهُوَ لَا يُعَارِضُ الْقَوْلَ الْخَاصّ بِنَا كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ. وَلَا شَكَّ أَنَّ قَوْلَهُ: (لَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ) خِطَاب لِلْأُمَّةِ. نَعَمْ إنْ صَحَّ حَدِيثُ عَائِشَةَ صَلَحَ لِذَلِكَ. وَاحْتَجَّ أَهْلُ الْمَذْهَبِ السَّادِسِ بِحَدِيثِ ابْن عُمَرَ؛ لِأَنَّ فِيهِ أَنَّهُ رَآهُ مُسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةَ مُسْتَقْبِلَ الشَّامَ، وَفِيهِ مَا سَلَف.

احْتَجَّ أَهْلُ الْمَذْهَبِ السَّابِعِ بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَتَيْنِ بِبَوْلٍ أَوْ بِغَائِطٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ، قَالَ الْحَافِظ فِي الْفَتْح: وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ فِيهِ رَاوِيًا مَجْهُولَ الْحَالِ وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّته فَالْمُرَادُ بِذَلِكَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَمَنْ عَلَى سَمْتهَا؛ لِأَنَّ اسْتِقْبَالهمْ بَيْتَ الْمَقْدِسِ يَسْتَلْزِمُ اسْتِدْبَارَهُمْ الْكَعْبَةَ فَالْعِلَّةُ اسْتِدْبَارُ الْكَعْبَةَ لَا اسْتِقْبَالُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ.

وَقَدْ ادَّعَى الْخَطَّابِيِّ الْإِجْمَاعَ عَلَى عَدَمِ تَحْرِيمِ اسْتِقْبَالِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ لِمَنْ لَا يَسْتَدْبِرُ فِي اسْتِقْبَالِهِ الْقِبْلَةَ وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ إبْرَاهِيمَ وَابْنِ سِيرِينَ انْتَهَى. وَقَدْ نَسَبَهُ فِي الْبَحْرِ إلَى عَطَاءٍ وَالزُّهْرِيِّ وَالْمَنْصُورِ بِاَللَّهِ وَالْمَذْهَب.

وَاحْتَجَّ أَهْل الْمَذْهَب الثَّامِن بِعُمُومِ قَوْلُهُ: (شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا) وَهُوَ اسْتِدْلَالٌ فِي غَايَةِ الرَّكَّةِ وَالضَّعْفِ. إذَا عَرَفْتَ هَذِهِ الْمَذَاهِبِ وَأَدِلَّتِهَا لَمْ يَخْفَ عَلَيْك مَا هُوَ الصَّوَابُ مِنْهَا وَسَيَأْتِيكَ التَّصْرِيحُ بِهِ وَالْمَقَامُ مِنْ مَعَارِكِ النُّظَّارِ فَتَدَبَّرْهُ.

وَفِي الْحَدِيث أَيْضًا دَلَالَة عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ وَلَا يَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِدُونِهَا لِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِدُونِ ثَلَاثَة أَحْجَارٍ، وَأَمَّا بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثً فَلَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلُ فِي الْإِنْقَاءِ.

وَقَدْ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَأَبُو ثَوْرٍ إلَى وُجُوب الِاسْتِنْجَاءِ وَأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ أَوْ ثَلَاثِ مَسَحَاتٍ، وَإِذَا اسْتَنْجَى لِلْقُبُلِ وَالدُّبُرِ وَجَبَ سِتُّ مَسَحَاتٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ ثَلَاثُ مَسَحَاتٍ، قَالُوا: وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ بِسِتَّةِ أَحْجَارٍ فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى حَجَرٍ وَاحِدٍ لَهُ سِتَّةُ أَحْرُفٍ أَجْزَأَهُ، وَكَذَلِكَ الْخِرْقَةُ الصَّفِيقَةُ الَّتِي إذَا مُسِحَ بِأَحَدِ جَانِبَيْهَا لَا يَصِلُ الْبَلَلُ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ قَالُوا: وَتَجِبُ الزِّيَادَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ إنْ لَمْ يَحْصُل الْإِنْقَاءُ بِهَا. وَذَهَبَ مَالِكٌ وَدَاوُد إلَى أَنَّ الْوَاجِبَ الْإِنْقَاءُ فَإِنْ حَصَلَ بِحَجَرٍ أَجْزَأَهُ وَهُوَ وَجْهٌ لَبَعْض أَصْحَاب الشَّافِعِيِّ.

ذَهَبَتْ الْعِتْرَةُ وَأَبُو حَنِيفَةَ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَإِنَّمَا يَجِبُ عِنْد الْهَادَوِيَّةِ عَلَى الْمُتَيَمِّم إذَا لَمْ يَسْتَنْجِ بِالْمَاءِ لَإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ قَالُوا: إذْ لَا دَلِيلَ عَلَى الْوُجُوبِ كَذَا فِي الْبَحْر، وَفِيهِ أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ الْأَمْرُ بِالِاسْتِجْمَارِ وَالنَّهْيُ عَنْ تَرْكِهِ بَلْ النَّهْيُ عَنْ الِاسْتِجْمَارِ بِدُونِ الثَّلَاث فَكَيْفَ. يُقَال: لَا دَلِيلَ عَلَى الْوُجُوبِ؟ وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا النَّهْيُ عَنْ الِاسْتِطَابَةِ بِالْيَمِينِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَقَدْ أَجْمَع الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، ثُمَّ الْجُمْهُور عَلَى أَنَّهُ نَهْيُ تَنْزِيهٍ وَأَدَبٍ لَا نَهْيَ تَحْرِيمٍ.

وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ إلَى أَنَّهُ حَرَامٌ قَالَ: وَأَشَارَ إلَى تَحْرِيمه جَمَاعَةٌ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>