١٠٣٠ - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَجُلًا أَعْمَى قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي
ــ
[نيل الأوطار]
لِخُصُوصِ تَرْكِ الْجَمَاعَةِ، ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ الْمُنِيرِ. السَّابِعُ: أَنَّ الْحَدِيثَ وَرَدَ فِي حَقِّ الْمُنَافِقِينَ فَلَا يَتِمُّ الدَّلِيلُ، وَتُعُقِّبَ بِاسْتِبْعَادِ الِاعْتِنَاءِ بِتَأْدِيبِ الْمُنَافِقِينَ عَلَى تَرْكِهِمْ الْجَمَاعَةَ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ لَا صَلَاةَ لَهُمْ وَبِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مُعْرِضًا عَنْهُمْ وَعَنْ عُقُوبَتِهِمْ مَعَ عِلْمِهِ بِطَوِيَّتِهِمْ، وَقَالَ: لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ إنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ. وَتَعَقَّبَ هَذَا التَّعَقُّبَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ بِأَنَّهُ لَا يَتِمُّ إلَّا إنْ ادَّعَى أَنَّ تَرْكَ مُعَاقَبَةِ الْمُنَافِقِينَ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ وَلَا دَلِيلَ عَلَى ذَلِكَ، وَلَيْسَ فِي إعْرَاضِهِ عَنْهُمْ مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ تَرْكِ عُقُوبَتِهِمْ.
قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ الْحَدِيثَ وَرَدَ فِي الْمُنَافِقِينَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صَدْرِ الْحَدِيثِ: " أَثْقَلُ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ " وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لَوْ يَعْلَمُونَ. . . إلَخْ "؛ لِأَنَّ هَذَا الْوَصْفَ يَلِيقُ بِهِمْ لَا بِالْمُؤْمِنِينَ، لَكِنَّ الْمُرَادَ: نِفَاقُ الْمَعْصِيَةِ لَا نِفَاقُ الْكُفْرِ.
وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ: " لَا يَشْهَدُونَ الْعِشَاءَ فِي الْجَمْعِ " وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أُسَامَةَ: " لَا يَشْهَدُونَ الْجَمَاعَاتِ " وَأَصْرَحُ مِنْ ذَلِكَ مَا فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «ثُمَّ آتِي قَوْمًا يُصَلُّونَ فِي بُيُوتِهِمْ لَيْسَتْ بِهِمْ عِلَّةٌ» فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ نِفَاقَهُمْ نِفَاقُ مَعْصِيَةٍ لَا نِفَاقُ كُفْرٍ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ إنَّمَا يُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ رِيَاءً وَسُمْعَةً، فَإِذَا خَلَا فِي بَيْته كَانَ كَمَا وَصَفَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْكُفْرِ وَالِاسْتِهْزَاءِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: خُرُوجُ الْمُؤْمِنِ مِنْ هَذَا الْوَعِيدِ لَيْسَ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُمْ إذَا سَمِعُوا النِّدَاءَ جَازَ لَهُمْ التَّخَلُّفُ عَنْ الْجَمَاعَةِ، بَلْ مِنْ جِهَة أَنَّ التَّخَلُّفَ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِمْ بَلْ هُوَ مِنْ صِفَاتِ الْمُنَافِقِينَ. وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ الْآتِي: لَقَدْ رَأَيْتَنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْ الْجَمَاعَةِ إلَّا مُنَافِقٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عُمَيْرِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُمُومَتِي مِنْ الْأَنْصَارِ قَالُوا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " مَا شَهِدَهُمَا مُنَافِقٌ " يَعْنِي الْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ.
الثَّامِنُ: أَنَّ فَرِيضَةَ الْجَمَاعَةِ كَانَتْ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ ثُمَّ نُسِخَتْ، حَكَى ذَلِكَ الْقَاضِي عِيَاضٌ. قَالَ الْحَافِظُ: وَيُمْكِنُ أَنْ يَتَقَوَّى لِثُبُوتِ النَّسْخِ بِالْوَعِيدِ الْمَذْكُورِ فِي حَقِّهِمْ وَهُوَ التَّحْرِيقُ بِالنَّارِ. قَالَ: وَيَدُلُّ عَلَى النَّسْخِ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي تَفْضِيلِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ عَلَى صَلَاةِ الْفَذِّ كَمَا سَيَأْتِي؛ لِأَنَّ الْأَفْضَلِيَّةَ تَقْتَضِي الِاشْتِرَاكَ فِي أَصْلِ الْفَضْلِ وَمِنْ لَازِمِ ذَلِكَ الْجَوَازِ.
التَّاسِعُ: أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّلَاةِ الْجُمُعَةُ لَا بَاقِي الصَّلَوَاتِ. وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْأَحَادِيثَ مُصَرِّحَةٌ بِالْعِشَاءِ وَالْفَجْرِ كَمَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ وَغَيْرِهِ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا وَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهَا الْجُمُعَةُ لِاحْتِمَالِ تَعَدُّدِ الْوَاقِعَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ النَّوَوِيُّ وَالْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ.
وَلِلْحَدِيثِ فَوَائِدُ لَيْسَ هَذَا مَحَلَّ بَسْطِهَا، وَسَيَأْتِي التَّصْرِيحُ بِمَا هُوَ الْحَقُّ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute