للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَى الْمَسْجِدِ، فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ فَيُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ، فَرَخَّصَ لَهُ، فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ فَقَالَ: هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَجِبْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ) .

١٠٣١ - (وَعَنْ عَمْرِو ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ قَالَ: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا ضَرِيرٌ شَاسِعُ الدَّارِ وَلِي قَائِدٌ لَا يُلَائِمُنِي فَهَلْ تَجِدُ لِي رُخْصَةً أَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيْتِي؟ قَالَ: أَتَسْمَعُ النِّدَاءَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: مَا أَجِدُ لَكَ رُخْصَةً» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ)

ــ

[نيل الأوطار]

الْحَدِيثُ الثَّانِي أَخْرَجَهُ أَيْضًا ابْنُ حِبَّانَ وَالطَّبَرَانِيُّ، وَزَادَ ابْنُ حِبَّانَ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ " فَأْتِهَا وَلَوْ حَبْوًا " قَوْلَهُ: (أَنَّ رَجُلًا أَعْمَى) هُوَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي. قَوْلُهُ: (لَيْسَ لِي قَائِدٌ) فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ " وَلِي قَائِدٌ لَا يُلَائِمُنِي " ظَاهِرُهُ التَّنَافِي إذَا كَانَ الْأَعْمَى الْمَذْكُورُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ هُوَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ. وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا إمَّا بِتَعَدُّدِ الْوَاقِعَةِ أَوْ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَنْفِيِّ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى الْقَائِدَ الْمُلَائِمَ، وَبِالْمُثْبَتِ فِي الثَّانِيَةِ الْقَائِدَ الَّذِي لَيْسَ بِمُلَائِمٍ. قَوْلُهُ: (فَرَخَّصَ لَهُ) ، إلَى قَوْلِهِ: (قَالَ فَأَجِبْ) قِيلَ: إنَّ التَّرْخِيصَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ اجْتِهَادٌ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالْأَمْرُ بِالْإِجَابَةِ بِوَحْيٍ مِنْ اللَّه تَعَالَى، وَقِيلَ: التَّرْخِيصُ مُطْلَقٌ مُقَيَّدٌ بِعَدَمِ سَمَاعِ النِّدَاءِ، وَقِيلَ.: إنَّ التَّرْخِيصَ بِاعْتِبَارِ الْعُذْرِ وَالْأَمْرِ لِلنَّدْبِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: الْأَفْضَلُ لَك وَالْأَعْظَمُ لِأَجْرِك أَنْ تُجِيبَ وَتَحْضُرَ فَأَجِبْ. قَوْلُهُ: (وَلِي قَائِدٌ لَا يُلَائِمُنِي) قَالَ الْخَطَّابِيِّ: يُرْوَى فِي هَذَا الْحَدِيثِ يُلَاوِمُنِي بِالْوَاوِ، وَالصَّوَابُ يُلَائِمُنِي: أَيْ يُوَافِقُنِي وَهُوَ بِالْهَمْزَةِ الْمَرْسُومَةِ بِالْوَاوِ وَالْهَمْزَةُ فِيهِ أَصْلِيَّةٌ. وَأَمَّا: الْمُلَاوَمَةُ بِالْوَاوِ فَهِيَ مِنْ اللَّوْمِ وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ. قَوْلُهُ: (رُخْصَةً) بِوَزْنِ غُرْفَةٍ وَقَدْ تُضَمُّ الْخَاءُ الْمُعْجَمَةُ بِالْإِتْبَاعِ، وَهِيَ التَّسْهِيلُ فِي الْأَمْرِ وَالتَّيْسِيرِ. وَالْحَدِيثَانِ اسْتَدَلَّ بِهِمَا الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْجَمَاعَةَ فَرْضُ عَيْنٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ. وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ سَأَلَ هَلْ لَهُ رُخْصَةٌ فِي أَنْ يُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ وَتَحْصُلُ لَهُ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ لِسَبَبِ عُذْرِهِ؟ فَقِيلَ: لَا، وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّ حُضُورَ الْجَمَاعَةِ يَسْقُطُ بِالْعُذْرِ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، وَمِنْ جُمْلَةِ الْعُذْرِ الْعَمَى إذَا لَمْ يَجِدْ قَائِدًا كَمَا فِي حَدِيثِ عِتْبَانِ بْنِ مَالِكٍ وَهُوَ فِي الصَّحِيحِ وَسَيَأْتِي.

وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَابْنِ حِبَّانَ وَالْحَاكِمِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يَأْتِ الصَّلَاةَ فَلَا صَلَاةَ لَهُ إلَّا مِنْ عُذْرٍ» قَالَ الْحَافِظُ: وَإِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، لَكِنْ رَجَّحَ بَعْضُهُمْ وَقْفَهُ. وَأَجَابَ الْبَعْضُ عَنْ حَدِيثِ الْأَعْمَى بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ يَمْشِي بِلَا قَائِدٍ لِحِذْقِهِ وَذَكَائِهِ كَمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>