للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٠٣٢ - (وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتَنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَالتِّرْمِذِيَّ) .

ــ

[نيل الأوطار]

هُوَ مُشَاهَدٌ فِي بَعْضِ الْعُمْيَانِ يَمْشِي بِلَا قَائِدٍ، لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ يَعْرِفُ الْمَكَانَ قَبْلَ الْعَمَى أَوْ بِتَكَرُّرِ الْمَشْيِ إلَيْهِ اسْتَغْنَى عَنْ الْقَائِدِ، وَلَا بُدَّ مِنْ التَّأْوِيلِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ} [النور: ٦١] وَفِي أَمْرِ الْأَعْمَى بِحُضُورِ الْجَمَاعَةِ مَعَ عَدَمِ الْقَائِدِ وَمَعَ شِكَايَتِهِ مِنْ كَثْرَةِ السِّبَاعِ وَالْهَوَامِّ فِي طَرِيقِهِ كَمَا فِي مُسْلِمٍ غَايَةُ الْحَرَجِ.

وَلَا يُقَالُ الْآيَةُ فِي الْجِهَادِ؛ لِأَنَّا نَقُول هُوَ مِنْ الْقَصْرِ عَلَى السَّبَبِ، وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِحَدِيثَيْ الْأَعْمَى وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي فِي أَوَّلِ الْبَابِ عَلَى وُجُوبِ مُطْلَقِ الْجَمَاعَةِ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ أَخَصُّ مِنْ الدَّعْوَى، إذْ غَايَةُ مَا فِي ذَلِكَ وُجُوبُ حُضُورِ جَمَاعَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَسْجِدِهِ لِسَامِعِ النِّدَاءِ، وَلَوْ كَانَ الْوَاجِبُ مُطْلَقُ الْجَمَاعَةِ لَقَالَ فِي الْمُتَخَلِّفِينَ إنَّهُمْ لَا يَحْضُرُونَ جَمَاعَتَهُ وَلَا يَجْمَعُونَ فِي مَنَازِلِهِمْ، وَلَقَالَ لِعِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ: اُنْظُرْ مَنْ يُصَلِّي مَعَك، وَلَجَازَ التَّرْخِيصُ لِلْأَعْمَى بِشَرْطِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي مَنْزِلِهِ جَمَاعَةً. .

هَذَا طَرَفٌ مِنْ أَثَرٍ طَوِيلٍ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ مُطَوَّلًا، وَذَكَرَهُ غَيْرُهُ مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا. قَوْلُهُ: (وَلَقَدْ رَأَيْتَنَا) هَذَا فِيهِ الْجَمْعُ بَيْنَ ضَمِيرَيْ الْمُتَكَلِّمِ فَالتَّاءُ لَهُ خَاصَّةً وَالنُّونُ لَهُ مَعَ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا) يَعْنِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ الْمَذْكُورَةَ فِي أَوَّلِ الْأَثَرِ. وَلَفْظُ مُسْلِمٍ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ غَدًا سَالِمًا فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ» وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد: «حَافِظُوا عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ» ثُمَّ ذَكَرُ مُسْلِمٌ اللَّفْظَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَذَكَرَ غَيْرُهُ نَحْوَهُ. قَوْلُهُ: (يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ) أَيْ يُمْسِكُهُ رَجُلَانِ مِنْ جَانِبَيْهِ بِعَضُدَيْهِ يَعْتَمِدُ عَلَيْهِمَا. قَوْلُهُ: (حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ) قَالَ النَّوَوِيُّ: فِي هَذَا كُلُّهُ تَأْكِيدُ أَمْرِ الْجَمَاعَةِ وَتَحَمُّلُ الْمَشَقَّةِ فِي حُضُورِهَا وَإِذَا أَمْكَنَ الْمَرِيضَ وَنَحْوَهُ التَّوَصُّلُ إلَيْهَا اُسْتُحِبَّ لَهُ حُضُورُهَا انْتَهَى. وَالْأَثَرُ اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى وُجُوبِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ.

وَفِيهِ أَنَّهُ قَوْلُ صَحَابِيٍّ لَيْسَ فِيهِ إلَّا حِكَايَةُ الْمُوَاظَبَةِ عَلَى الْجَمَاعَةِ وَعَدَمِ التَّخَلُّفِ عَنْهَا، وَلَا يُسْتَدَلُّ بِمِثْلِ ذَلِكَ عَلَى الْوُجُوبِ.

وَفِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ خَصَّ التَّوَعُّدَ بِالتَّحْرِيقِ بِالنَّارِ الْمُتَقَدِّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِالْمُنَافِقِينَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>