. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا، قِيلَ: الْفَرْقُ بِكَثْرَةِ الْجَمَاعَةِ وَقِلَّتِهِمْ.
وَقِيلَ: السَّبْعُ مُخْتَصَّةٌ بِالْفَجْرِ وَالْعِشَاءِ. وَقِيلَ: بِالْفَجْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْخَمْسُ بِمَا عَدَا ذَلِكَ. وَقِيلَ: السَّبْعُ مُخْتَصَّةٌ بِالْجَهْرِيَّةِ، وَالْخَمْسُ بِالسِّرِّيَّةِ، وَرَجَّحَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ، وَالرَّاجِحُ عِنْدِي أَوَّلُهَا لِدُخُولِ مَفْهُومِ الْخَمْسِ تَحْتَ مَفْهُومِ السَّبْعِ. وَاعْلَمْ أَنَّ التَّخْصِيصَ بِهَذَا الْعَدَدِ مِنْ أَسْرَارِ النُّبُوَّةِ الَّتِي تَقْصُرُ الْعُقُولُ عَنْ إدْرَاكِهَا، وَقَدْ تَعَرَّضَ جَمَاعَةٌ لِلْكَلَامِ عَلَى وَجْهِ الْحِكْمَةِ وَذَكَرُوا مُنَاسَبَاتٍ، وَقَدْ طَوَّلَ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ صَاحِبُ الْفَتْحِ، فَمَنْ أَحَبَّ الْوُقُوفَ عَلَى ذَلِكَ رَجَعَ إلَيْهِ. قَوْلُهُ: (دَرَجَةً) هُوَ مُمَيِّزُ الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ وَفِي الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا التَّعْبِيرُ بِقَوْلِهِ " دَرَجَةً " أَوْ حَذْفُ الْمُمَيِّزِ إلَّا طُرُقَ أَبِي هُرَيْرَةَ فَفِي بَعْضِهَا " ضِعْفًا " وَفِي بَعْضِهَا " جُزْءًا " وَفِي بَعْضِهَا " دَرَجَةً " وَفِي بَعْضهَا " صَلَاةً "، وَوُجِدَ هَذَا الْأَخِيرُ فِي بَعْضِ طُرُقِ أَنَسٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَصَرُّفِ الرُّوَاةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ التَّفَنُّنِ فِي الْعِبَارَةِ، وَالْمُرَادُ: أَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ مِنْ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ مِثْلُ أَجْرِ صَلَاةِ الْمُنْفَرِدِ سَبْعًا وَعِشْرِينَ مَرَّةً.
قَوْلُهُ: (عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَصَلَاتِهِ فِي سُوقِهِ) مُقْتَضَاهُ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ جَمَاعَةً تَزِيدُ عَلَى الصَّلَاةِ فِي الْبَيْتِ وَالسُّوقِ جَمَاعَةً وَفُرَادَى وَلَكِنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فِي أَنَّ مَنْ لَمْ يَحْضُرْ الْجَمَاعَةَ فِي الْمَسْجِدِ صَلَّى مُنْفَرِدًا. قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ لِي، وَقَالَ الْحَافِظُ: وَهُوَ الرَّاجِحُ فِي نَظَرِي، قَالَ: وَلَا يَلْزَمُ مَنْ حَمَلَ الْحَدِيثَ عَلَى ظَاهِرِهِ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ صَلَاةِ الْبَيْتِ وَالسُّوقِ، إذْ لَا يَلْزَم مِنْ اسْتِوَائِهِمَا فِي الْمَفْضُولِيَّةِ أَنْ لَا تَكُونَ إحْدَاهُمَا أَفْضَلَ مِنْ الْأُخْرَى، وَكَذَا لَا يَلْزَمُ مِنْهُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ صَلَاةِ الْبَيْتِ أَوْ السُّوقِ لَا فَضْلَ فِيهَا عَلَى الصَّلَاةِ مُنْفَرِدًا، بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ التَّضْعِيفَ الْمَذْكُورَ مُخْتَصٌّ بِالْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ.
وَالصَّلَاةُ فِي الْبَيْت مُطْلَقًا أَوْلَى مِنْهَا فِي السُّوقِ لِمَا وَرَدَ مِنْ كَوْنِ الْأَسْوَاقِ مَوْضِعَ الشَّيَاطِينِ، وَالصَّلَاةُ جَمَاعَةً فِي الْبَيْتِ وَفِي السُّوقِ أَوْلَى مِنْ الِانْفِرَادِ انْتَهَى. وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثَيْنِ وَمَا ذَكَرْنَا مَعَهُمَا الْقَائِلُونَ بِأَنَّ صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ؛ لِأَنَّ صِيغَةَ (أَفْضَلَ) كَمَا فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ تَدُلُّ عَلَى الِاشْتِرَاكِ فِي أَصْلِ الْفَضْلِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: " أَزْكَى " وَالْمُشْتَرَكُ هَهُنَا لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْإِجْزَاءَ وَالصِّحَّةَ، وَإِلَّا فَلَا صَلَاةَ فَضْلًا عَنْ الْفَضْلِ وَالزَّكَاةِ.
وَمِنْ أَدِلَّتِهِمْ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ حَدِيثُ: «إذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَصَلِّيَا مَعَهُمْ فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ» وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ الرُّخْصَةِ فِي إعَادَةِ الْجَمَاعَةِ. وَمِنْ أَدِلَّتِهِمْ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «إنَّ أَعْظَمَ النَّاسِ أَجْرًا فِي الصَّلَاةِ أَبْعَدُهُمْ إلَيْهَا مَمْشًى فَأَبْعَدُهُمْ، وَاَلَّذِي يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَعَ الْإِمَامِ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ الَّذِي يُصَلِّيهَا ثُمَّ يَنَامُ» فِي رِوَايَةِ أَبِي كُرَيْبٌ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَيْضًا " حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute