للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

الْإِمَامِ فِي جَمَاعَةٍ ". وَمِنْ أَدِلَّتِهِمْ أَيْضًا «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ جَمَاعَةً مِنْ الْوَافِدِينَ عَلَيْهِ بِالصَّلَاةِ وَلَمْ يَأْمُرهُمْ بِفِعْلِهَا فِي جَمَاعَةٍ» وَتَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ لَا يَجُوزُ. وَهَذِهِ الْأَدِلَّةُ تُوجِبُ تَأْوِيلَ الْأَدِلَّةِ الْقَاضِيَةِ بِالْوُجُوبِ بِمَا أَسْلَفْنَا ذِكْرَهُ. وَكَذَلِكَ تَأْوِيلُ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمُتَقَدِّمِ بِلَفْظِ: «مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يَأْتِ الصَّلَاةَ فَلَا صَلَاةَ لَهُ إلَّا مِنْ عُذْرٍ» بِأَنَّ الْمُرَادَ لَا صَلَاةَ لَهُ كَامِلَةً، عَلَى أَنَّ فِي إسْنَادِهِ يَحْيَى بْنَ أَبِي دِحْيَةَ الْكَلْبِيَّ الْمَعْرُوفَ بِأَبِي جِنَابٍ بِالْجِيمِ الْمَكْسُورَةِ، وَهُوَ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ: ضَعِيفٌ وَمُدَلِّسٌ وَقَدْ عَنْعَنَ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ بَقِيٍّ بْنُ مَخْلَدٍ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى بِإِسْنَادٍ قَالَ الْحَافِظُ: صَحِيحٌ بِلَفْظِ: " مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يُجِبْ فَلَا صَلَاةَ لَهُ إلَّا مِنْ عُذْرٍ " وَلَكِنْ قَالَ الْحَاكِمُ: وَقَفَهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِ شُعْبَةَ ثُمَّ أَخْرَجَ لَهُ شَاهِدًا عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ بِلَفْظِ: «مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَارِغًا صَحِيحًا فَلَمْ يُجِبْ فَلَا صَلَاةَ لَهُ» وَقَدْ رَوَاهُ الْبَزَّارُ مَوْقُوفًا. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: الْمَوْقُوفُ أَصَحُّ. وَرَوَاهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي الضُّعَفَاءِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ. وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَضَعَّفَهُ.

وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ مَا أَمْكَنَ هُوَ الْوَاجِبُ، وَتَبْقِيَةُ الْأَحَادِيثِ الْمُشْعِرَةِ بِالْوُجُوبِ عَلَى ظَاهِرِهَا مِنْ دُونِ تَأْوِيلٍ، وَالتَّمَسُّكُ بِهِ بِمَا يَقْضِي بِهِ الظَّاهِرُ فِيهِ إهْدَارٌ لِلْأَدِلَّةِ الْقَاضِيَةِ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ. فَأَعْدَلُ الْأَقْوَالِ وَأَقْرَبُهَا إلَى الصَّوَابِ أَنَّ الْجَمَاعَةَ مِنْ السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ الَّتِي لَا يُخِلُّ بِمُلَازَمَتِهَا مَا أَمْكَنَ إلَّا مَحْرُومٌ مَشْئُومٌ، وَأَمَّا أَنَّهَا فَرْضُ عَيْنٍ أَوْ كِفَايَةٍ أَوْ شَرْطٍ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ فَلَا. وَلِهَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَعْدَ أَنْ سَاقَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ مَا لَفْظُهُ: وَهَذَا الْحَدِيثُ يَرُدُّ عَلَى مَنْ أَبْطَلَ صَلَاةَ الْمُنْفَرِدِ لِغَيْرِ عُذْرٍ وَجَعَلَ الْجَمَاعَةَ شَرْطًا؛ لِأَنَّ الْمُفَاضَلَةَ بَيْنَهُمَا تَسْتَدْعِي صِحَّتَهُمَا، وَحَمْلُ النَّصِّ عَلَى الْمُنْفَرِدِ لِعُذْرٍ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ قَدْ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ أَجْرَهُ لَا يَنْقُصُ عَمَّا يَفْعَلُهُ لَوْلَا الْعُذْرُ، فَرَوَى أَبُو مُوسَى عَنْ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ مِثْلَ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ رَاحَ فَوَجَدَ النَّاسَ قَدْ صَلَّوْا أَعْطَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِثْلَ أَجْرِ مَنْ صَلَّاهَا وَحَضَرَهَا لَا يُنْقِصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ انْتَهَى. اسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِهَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ حَمْلِ النَّصِّ عَلَى الْمُنْفَرِدِ لِعُذْرٍ؛ لِأَنَّ أَجْرَهُ كَأَجْرِ الْمُجْمِعِ.

وَالْحَدِيثُ الثَّانِي سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُد وَالْمُنْذِرِيُّ، وَفِي إسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ طَحْلَاءَ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، وَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ أَبِي دَاوُد إلَّا هَذَا الْحَدِيثُ.

وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: «حَضَرَ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ الْمَوْتُ فَقَالَ: إنِّي مُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا مَا أُحَدِّثُكُمُوهُ إلَّا احْتِسَابًا، سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ وَفِيهِ فَإِنْ أَتَى الْمَسْجِدَ فَصَلَّى فِي جَمَاعَةٍ غُفِرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>