للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٠٣٥ - (وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الصَّلَاةُ فِي جَمَاعَةٍ تَعْدِلُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ صَلَاةً، فَإِذَا صَلَّاهَا فِي فَلَاةٍ فَأَتَمَّ رُكُوعَهَا وَسُجُودَهَا بَلَغَتْ خَمْسِينَ صَلَاةً» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد) .

ــ

[نيل الأوطار]

لَهُ، وَإِنْ أَتَى الْمَسْجِدَ وَقَدْ صَلَّوْا بَعْضًا وَبَقِيَ بَعْضٌ صَلَّى مَا أَدْرَكَ وَأَتَمَّ مَا بَقِيَ كَانَ كَذَلِكَ، فَإِنْ أَتَى الْمَسْجِدَ وَقَدْ صَلَّوْا فَأَتَمَّ كَانَ كَذَلِكَ» . .

الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا ابْنُ مَاجَهْ، قَالَ أَبُو دَاوُد: قَالَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: «صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي الْفَلَاةِ تُضَاعَفُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي الْجَمَاعَةِ» وَسَاقَ الْحَدِيثَ. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: فِي إسْنَادِهِ هِلَالُ بْنُ مَيْمُونٍ الْجُهَنِيِّ الرَّمْلِيُّ كُنْيَتُهُ أَبُو الْمُغِيرَةِ، قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: ثِقَةٌ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ: لَيْسَ بِقَوِيٍّ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، وَقَدْ وَثَّقَهُ أَيْضًا غَيْرُ ابْنِ مَعِينٍ كَمَا قَالَ ابْنُ رَسْلَانَ قَوْلُهُ: (فَإِذَا صَلَّاهَا فِي فَلَاةٍ) هُوَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يُصَلِّيَهَا مُنْفَرِدًا أَوْ فِي جَمَاعَةٍ، قَالَ ابْنُ رَسْلَانَ: لَكِنَّ حَمْلَهُ عَلَى الْجَمَاعَةِ أَوْلَى، وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ السِّيَاقِ انْتَهَى.

وَالْأَوْلَى حَمْلُهُ عَلَى الِانْفِرَادِ؛ لِأَنَّ مَرْجِعَ الضَّمِيرِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ مِنْ قَوْلِهِ " صَلَّاهَا " إلَى مُطْلَقِ الصَّلَاةِ لَا إلَى الْمُقَيَّدِ بِكَوْنِهَا فِي جَمَاعَةِ. وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ الرِّوَايَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا أَبُو دَاوُد عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ فِيهَا صَلَاةَ الرَّجُلِ فِي الْفَلَاةِ مُقَابِلَةً لِصَلَاتِهِ فِي الْجَمَاعَةِ، وَالْمُرَادُ بِالْفَلَاةِ: الْأَرْضُ الْمُتَّسَعَةُ الَّتِي لَا مَاءَ فِيهَا، وَالْجَمْعُ: فَلًى مِثْلَ حَصَاةٍ وَحَصًى.

وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ الصَّلَاةِ فِي الْفَلَاةِ مَعَ تَمَامِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَأَنَّهَا تَعْدِلُ خَمْسِينَ صَلَاةً فِي جَمَاعَةٍ كَمَا فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْوَاحِدِ، وَعَلَى هَذَا الصَّلَاةُ فِي الْفَلَاةِ تَعْدِلُ أَلْفَ صَلَاةٍ وَمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ صَلَاةً فِي غَيْرِ جَمَاعَةٍ، وَهَذَا إنْ كَانَتْ صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَتَضَاعَفُ إلَى خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ ضِعْفًا فَقَطْ، فَإِنْ كَانَتْ تَتَضَاعَفُ إلَى سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ كَمَا تَقَدَّمَ فَالصَّلَاةُ فِي الْفَلَاةِ تَعْدِلُ أَلْفًا وَثَلَاثَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ صَلَاةً، وَهَذَا عَلَى فَرْضِ أَنَّ الْمُصَلِّيَ فِي الْفَلَاةِ صَلَّى مُنْفَرِدًا، فَإِنْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ تَضَاعَفَ الْعَدَدُ الْمَذْكُورُ بِحَسَبِ تَضَاعُفِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ عَلَى الِانْفِرَادِ وَفَضْلُ اللَّهِ وَاسِعٌ.

وَالْحِكْمَةُ فِي اخْتِصَاصِ صَلَاةِ الْفَلَاةِ بِهَذِهِ الْمَزِيَّةِ أَنَّ الْمُصَلِّيَ فِيهَا يَكُونُ فِي الْغَالِبِ مُسَافِرًا، وَالسَّفَرُ مَظِنَّةُ الْمَشَقَّةِ، فَإِذَا صَلَّاهَا الْمُسَافِرُ مَعَ حُصُولِ الْمَشَقَّةِ تَضَاعَفَتْ إلَى ذَلِكَ الْمِقْدَارِ، وَأَيْضًا الْفَلَاةُ فِي الْغَالِبِ مِنْ مَوَاطِنِ الْخَوْفِ وَالْفَزَعِ لِمَا جُبِلَتْ عَلَيْهِ الطِّبَاعُ الْبَشَرِيَّةُ مِنْ التَّوَحُّشِ عِنْدَ مُفَارَقَةِ النَّوْعِ الْإِنْسَانِيِّ، فَالْإِقْبَالُ مَعَ ذَلِكَ عَلَى الصَّلَاةِ أَمْرٌ لَا يَنَالُهُ إلَّا مَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>