للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٨٨ - (وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: «ذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ نَاسًا يَكْرَهُونَ أَنْ يَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ بِفُرُوجِهِمْ فَقَالَ: أَوْ قَدْ فَعَلُوهَا حَوِّلُوا مَقْعَدَتِي قِبَلَ الْقِبْلَةِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ)

ــ

[نيل الأوطار]

بِالْبُنْيَانِ لِعَدَمِ التَّقْيِيدِ مِنْ جَابِر، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهَا حِكَايَةُ فِعْلٍ لَا عُمُومَ لَهَا فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِعُذْرٍ وَأَنْ يَكُونَ فِي بُنْيَانٍ، هَكَذَا أَجَابَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ، ذَكَر ذَلِكَ فِي التَّلْخِيص، وَلَا يَخْفَى أَنَّ احْتِمَالَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْفِعْلُ لِعُذْرٍ يُقَالُ مِثْلُهُ مِنْ حَدِيث ابْن عُمَرَ فَلَا يَتِمُّ لِلشَّافِعِيَّةِ وَمَنْ مَعَهُمْ الِاحْتِجَاجُ بِهِ عَلَى تَخْصِيصِ الْجَوَازِ بِالْبُنْيَانِ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الْحَدِيثِ فِي الَّذِي قَبْله وَفِي الْبَابِ الْأَوَّل.

٨٨ - (وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: «ذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ نَاسًا يَكْرَهُونَ أَنْ يَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ بِفُرُوجِهِمْ فَقَالَ: أَوْ قَدْ فَعَلُوهَا حَوِّلُوا مَقْعَدَتِي قِبَلَ الْقِبْلَةِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ) . الْحَدِيث قَالَ ابْنُ حَزْمٍ فِي الْمُحَلَّى: إنَّهُ سَاقِطٌ؛ لِأَنَّ رَاوِيه خَالِدُ الْحَذَّاءُ وَهُوَ ثِقَةٌ عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ وَهُوَ مَجْهُول لَا نَدْرِي هُوَ، وَأَخْطَأَ فِيهِ عَبْد الرَّزَّاق، فَرَوَاهُ عَنْ خَالِدِ الْحَذَّاءِ عَنْ كَثِير بْن الصَّلْتِ وَهَذَا أَبْطَلُ وَأَبْطَلُ؛ لِأَنَّ خَالِدَ الْحَذَّاءَ لَمْ يُدْرِكْ كَثِيرَ بْنَ الصَّلْتِ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّ نَصَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُبَيِّنُ أَنَّهُ إنَّمَا كَانَ قَبْل النَّهْيِ؛ لِأَنَّ مِنْ الْبَاطِلِ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَاهُمْ عَنْ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ بِالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ، ثُمَّ يُنْكِرُ عَلَيْهِمْ طَاعَتَهُ فِي ذَلِكَ، هَذَا مَا لَا يَظُنّهُ مُسْلِمٌ وَلَا ذُو عَقْلٍ،

وَفِي هَذَا الْخَبَرِ إنْكَارُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَلَوْ صَحَّ لَكَانَ مَنْسُوخًا بِلَا شَكٍّ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ فِيهِ إلَّا إبَاحَةُ الِاسْتِقْبَالِ فَقَطْ لَا إبَاحَةَ الِاسْتِدْبَارِ أَصْلًا فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهِ انْتَهَى.

وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَان فِي تَرْجَمَةِ خَالِدِ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ: إنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُنْكَرٌ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْح مُسْلِمٍ: إنَّ إسْنَادَهُ حَسَنٌ.

وَالْحَدِيثُ اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ ذَهَبَ إلَى النَّسْخ، وَقَدْ عَرَّفْنَاكَ أَنَّهُ لَا دَلِيلَ يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ إلَّا هَذَا الْحَدِيثَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ دَعْوَى اخْتِصَاصِهِ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِقَوْلِهِ: (أَوْ قَدْ فَعَلُوهَا) .

وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ فَقَدْ قَرَّرْنَا لَك أَنَّ فِعْلَهُ لَا يُعَارِضُ الْقَوْلَ الْخَاصَّ بِالْأُمَّةِ.

قَوْلُهُ: (لَا تَسْتَقْبِلُوا وَلَا تَسْتَدْبِرُوا) مِنْ الْخِطَابَات الْخَاصَّة بِهِمْ فَيَكُونُ فِعْلُهُ بَعْد الْقَوْلِ دَلِيلَ الِاخْتِصَاصِ بِهِ لِعَدَمِ شُمُول ذَلِكَ الْخِطَابِ لَهُ بِطَرِيقِ الظُّهُور، وَلَا صِيغَةَ تَكُونُ فِيهَا النُّصُوصِيَّةُ عَلَيْهِ، وَهَذَا قَدْ تَقَرَّرَ فِي الْأُصُول وَلَمْ يَذْهَبْ إلَى خِلَافه أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّتِهِ الْفُحُولِ، وَلَكِنَّ الشَّأْنَ فِي صِحَّة هَذَا الْحَدِيثِ وَارْتِفَاعه إلَى دَرَجَةِ الِاعْتِبَارِ وَأَيْنَ هُوَ مِنْ ذَاكَ؟ فَالْإِنْصَافُ الْحُكْمُ بِالْمَنْعِ مُطْلَقًا، وَالْجَزْمُ بِالتَّحْرِيمِ حَتَّى يَنْتَهِضُ دَلِيلٌ يَصْلُحُ لِلنَّسْخِ أَوْ التَّخْصِيصِ أَوْ الْمُعَارَضَة، وَلَمْ نَقِفْ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ يُؤْنَسُ بِمَذْهَبِ مَنْ خَصَّ الْمَنْعَ بِالْفَضَاءِ، مَا سَيَأْتِي عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِنْ قَوْلُهُ: إنَّمَا نَهَى عَنْ هَذَا فِي الْفَضَاء بِالصِّيغَةِ الْقَاضِيَةِ بِحَصْرِ النَّهْيِ

<<  <  ج: ص:  >  >>