والمعتبر فيه أن يسكت سكوتاً يُشعر مثله بأن القراءة قد انقطعت، إما باختيار أو بمانع- فهذا هو السكوت القاطع للولاء.
وأما تخلل الذكر، فالذي ذكره الأئمة أنه إذا أدرج القارىء في أثناء القراءة ذكراً تسبيحاً، أو تهليلاً، فتنقطع موالاة القراءة، وإن كان ذلك الذكر قليلاً واقعاً في زمان لا ينقطع الولاء بالسكوت في مثله.
وقد صح عندنا أنا وإن كنا نشترط اتصال الإيجاب بالقبول في العقود، فلو تخلل بين الإيجاب والقبول كلام من أحدهما قريب لا يضر تخلله، على تفصيل وضبط سيأتي في موضعه، ونص الشافعي دال على ذلك، فإنه قال في كتاب الخلع:"لو قال لامرأتيه: خالعتكما، فارتدتا، ثم قالتا: قبلنا، ثم عادتا إلى الإسلام، قبل انقضاء العدة، فالخلع صحيح"(١)، وقد تخللت كلمة الردّة.
ولو تخلل بين الإيجاب والقبول سكوت طويل، لم ينعقد العقد. فتخلل السكوت استوى فيه القراءة والعقد، وافترقا في تخلل الذكر، والسبب فيه أن من أدرج ذكراً في أثناء القراءة؛ فإنه يجري في انتظام القراءة حتى كأنه منها، وذلك يُغيّر النظمَ والترتيبَ والإعجازَ. والإيجابُ والقبول صادران من شخصين، وقد ورد التعبد باتصال الجواب بالإيجاب؛ فإن للجواب اتصالاً -في مطرد العرف- بالخطاب يكون لأجله جواباً، والسكوت الطويل إذا تخلل يقطع الجوابَ عن الإيجاب. وإذا صدر كلام يسير عن أحد المتعاقدَيْن، لم يُشعر مقداره بإضراب المخاطب عن الجواب - لم يضر تخلله. وفي القراءة يختلط الذكر بالمقروء، ويجري في أدراجه، وليس هذا من قبيل ما ذكرناه من رعاية الاتصال بين الإيجاب والقبول.
فيخرج من ذلك أن تخلل الذكر ليس مؤثراً في القراءة من حيث يقطع ولاءها، ولكن من حيث يغير نظمَها.
ولو فرض سكوت في أثناء القراءة لا يقطع مثلُه الولاء، وفرض فيه ذكرٌ يسير، لا بصوت القراءة، بحيث لا ينتظم بالقراءة، فلست أبعد في هذه الصورة أن يقال: لا تنقطع القراءة، والله أعلم.