لأتدبر، وأراجع حسابي، كما ذكرناه في جانب المدعي، فلا يمهل أصلاً. وإذا ظهر امتناعه، كان ناكلاً، والفرق بينه وبين المدعي أن المدعى عليه مطالبٌ محمولٌ على الإقرار، أو اليمين، وليس صاحبَ خِيَرة، وأما المدعي، فليس محمولاً من جهة أحد، بل هو صاحب الحق؛ إن أراد قدمه، وإن أراد أخره. هذا قول الأصحاب.
فقد حصل لنا من كلامهم أن نكول المدعي ممكن، وهو نازل منزلة حلف المدعى عليه، وثبت من كلامهم أنه إذا استمهل، أمهل.
١٢١٠٥ - ونحن نقول بعد ذلك: قد اعترض لنا تصوير النكول عن اليمين مع الشاهد، وتصوير النكول عن يمين الرد، فنقول: إذا أقام المدعي شاهداًً، فكيف وجهُ نكوله؟ ومن يعرض عليه اليمين حتى ينكُل؟ وما المأخذ الفقهي الذي يربط النكول به؟
فنقول في إيضاح ذلك: إذا استعدى المدعي على خصمه، وأحضره مجلس الحكم وادعى، وأنكرالخصم، فإن أقام المدعي بيّنة، فذاك، وإن لم يقمها، فحقٌّ على القاضي أن يقول للمدعي: أحلّف خصمك إن أردت، وإلا فاقطع طلبتك عنه، واترك رفعه إلى مجلس الحكم، فإذا أقام شاهداًً واحداً، وتمكن من الحلف معه، فلم يحلف، فينتهي الأمر إلى ما ذكرناه من تحليف الخصم، وإلزام المدعي قطعَ الخصام، وإلا فهذا يؤدي إلى أن يرفع خصمه إلى مجلس القضاء في كل ساعة يتصدى القاضي فيها للقضاء، ولا يحلّفه، ولا يقيم بيّنة، ولا سبيل إلى تسويغ هذا.
فخرج من مجموع ما ذكرناه أنه إذا أقام شاهداً، أبان له القاضي أنه لو حلف معه، ثبت حقه؛ فإن لم يحلف، أبان له أنك لو لم تحلِّف المدعَى عليه، منعتك من إعادته إلى مجلس الحكم، فهذا تصوير النكول عن اليمين مع الشاهد.
ولو قال المدعي: أمهلوني، أمهلناه كما يمهل المدعي في يمين الرد، فإن اليمين ليست محتومة عليه، وليس هو واقفاً موقف المحمولين في الخصومة، وإذا منعناه من إعادة خصمه إلى مجلس الحكم، فلا يُعيده في تلك الخصومة إلا أن يجد بينةً كاملة، فيُعيدُه ويقيمُها، فإنه لو وجد بينة بعد حلف المدعى عليه، فعل ذلك، وقد نجز الغرض في النكول عن اليمين مع الشاهد.