للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والآخر - أن الشهادة تقتضي قياماً بتحفُّظٍ عظيمٍ، واستبدادٍ بالنفس في طلب الاطلاع، وهذا لا يتأتى من العبد؛ فإن فرض فارض إذناً من السادة، فهو بمثابة ما لو فرض مثل ذلك في الولايات.

ثم لا اكتفاء بالظاهر، فلتَثْبت حريةُ الشاهد ببينة أو بتسامع على استفاضة، أو بانتساب الرجل إلى أحرار فلو أراد القاضي أن يكتفي بالظاهر في ذلك، كان كما لو اكتفى بظاهر العدالة.

فصل

قال: " ولا تجوز شهادة جارّ إلى نفسه ... إلى آخره " (١).

١٢١٢٦ - هذا هو القطب الثالث، وهو. ردّ الشهادة بالتهمة، ولا يُدْرَكُ مقصدُ الفصل بالهوينا. وقد قال الشافعي في مواضع: " أقبل الشهادة، ولا أجعل للتهمة موضعاً ". ولا يمكن إنكار رد الشهادة بالتهمة في أصول الشريعة، فكيف الضبط، والطرفان منتشران؟

الوجه أن نذكر ما ذكره الأصحاب نقلاً، ثم نشمر للبحث. قالوا: لا تقبل شهادة جارٍّ إلى نفسه ولا دافعٍ عنها.

ثم صوّروا الجرَّ، فقالوا: إذا شهد الرجل بأن فلاناً جرح موروثه، لا تقبل شهادته في حياة المجروح (٢).


(١) ر. المختصر: ٥/ ٢٥٦.
(٢) قوله: " لا تقبل شهادته (أي الوارث) في حياة المجروح (أي الموروث) " قلت: في هذه العبارة إيجاز شديد، يحتاج إلى تفصيل؛ وذلك لأن الإمام فصلها في باب الشهادة على الجناية.
وتفصيل المسألة أن الجرح إذا اندمل، فتجوز شهادة الوارث بعد الاندمال -إذا لم يكن بينهما بَعْضية- فإنه ليس جارّاً لنفسه نفعاً، فإن المورّث يستحق الأرش بنفسه. ولكن إذا لم يندمل الجرح، فلا تقبل شهادة الوارث؛ لأن الموروث لو مات من سراية الجرح، لوجبت الدية للوارث، فهو إذاً جارّ لنفسه نفعاً.
وكذا لو شهد بعد موت المجروح رجل أنه قتل مورّثه، فلا تقبل شهادته. (التهذيب =