للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وصوروا الدافع، فقالوا: إذا شهد شاهدان على أن فلاناً قتل فلاناً خطاً، فشهد عدلان من العاقلة على جرح (١) شهود القتل، فشهادة العاقلة مردودة، لأنهم يدفعون عن أنفسهم غُرم التحمل. هذا ما ذكره الأصحاب في الجرّ والدفع.

ولست أتعرض بعدُ لضبط المذهب حتى استتم نقل المسائل المتعلقة بالتهمة.

١٢١٢٧ - قال رضي الله عنه: " ولا على الخصم، لأن الخصومة موضع عداوة ... إلى آخره " (٢).

قال أئمتنا: شهادة العدو على العدو مردودة؛ لمكان التهمة، وشهادته له مصلحة (٣)، وعلى هذا بنى الأصحاب ردَّ شهادة الزوج مع ثلاثة من العدول على زنا زوجته، فإنها بزناها أوغرت صدر زوجها. والوجه في ذلك أنه ربما يرى منها مراودات وأمور تدل على الفجور، فيحمله ذلك على ما ذكرناه.

وأهم ما نذكره في هذا الفصل معنى العداوة، فلا ينبغي أن تُفرضَ عداوة مترتبة على فسق لا يُظهر تأثير العداوة في الرد (٤)، والعداوة التي نعنيها ونحكم بأنها توجب رد الشهادة من غير فسق هي العداوة الجبلّية أو المترتبة على سبب (قُدْرَتي) (٥)،


= للبغوي: ٧/ ٢٥٩، والمنهاج: ١٣/ ٣٠٨، ٣٠٩، والبسيط للغزالي: جزء ٧ ورقة: ١٢٤ ظهر، والشرح الكبير: ١٣/ ٢٤).
(١) واضح أن الجرح المشهود عليه هنا هو نقيض العدالة، وليس جرح السنان.
(٢) ر. المختصر: السابق نفسه.
(٣) كذا. ولعلها: " مقبولة " كما عبر بذلك في الفقرات الآتية.
(٤) المعنى أن العداوة التي تترتب على فسق أي بسبب الفسق، أو التي يرتكب بسببها ما يفسق به ليست هي المرادة هنا، فإن هذا الفسق يردّ الشهادة عموماً، وإنما المقصود هنا العداوة الجبليّة أو المترتبة على سبب طبعي.
وعبارة الغزالي في البسيط توضح ذلك، إذ قال: " فإن كانت العداوة مترتبة على فسق، أوجب ردّ الشهادة عموماً " (الموضع السابق نفسه) وأما صاحب التهذيب، فقد عبّر عن ذلك قائلاً: " هذا إذا كانت العداوةِ ظاهرة بينهما، ولا يرتكب كل واحد منهما في عداوته ما يُفَسَّق به، فإن فعل في عداوته ما يُفسَّق به، فيكون مردود الشهادة له وعليه في حق كافة الناس " (ر. التهذيب: ٨/ ٢٧٧).
(٥) قُدْرَتي: كذا تماماً في الأصل، وفي إحدى مخطوطتي البسيط، وهذه اللفظة مستعملة في =