للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والثاني - ردها من الجانبين.

والثالث - قبول شهادة الزوج لزوجته ورد شهادتها لزوجها، والفاصل أنها تستحق النفقة عليه، وهو لا يستحقها عليها، ولا شك أن هذا التردد في شهادة أحدهما للثاني، فأما شهادته عليه، فمقبولة إذا لم تكن عداوة، وكذلك شهادة الولد والوالد مقبولة من كل واحد منهما على صاحبه.

وذكر العراقيون وصاحب التقريب اختلافاً في مسألةٍ وهي إذا شهد الابن على أبيه بما يوجب عليه عقوبة، فالذي ذهب إليه الأكثرون القبول، وهو جارٍ على القياس ولا تهمة.

ويُحكَى عن بعض الأصحاب ردُّ شهادة الابن على أبيه فيما يوجب عقوبة، فإنها لو قبلت، لكان الابن سبباً في وجوب العقوبة على الأب، وهذا ممتنع، لأن الأب لا يستوجب القصاصَ وحدَّ القذف بالجناية على ابنه وقذفه، وهذا كلام ركيك، لا أصل له؛ فإن العقوبة التي تجب بشهادة الابن ليست واجبة له، وهذا هو الممتنع.

هذه مسائل ذكرها الأصحاب في رد الشهادة بالتهمة.

١٢١٢٩ - وقد حان الآن أن نذكر في ذلك ضبطاً معنوياً، فنقول: ما يقتضيه قياس أصول الشريعة ألا ترد الشهادة من عدل لتخيّل تهمة؛ فإنه لا يُظَنُّ بمن ظهرت عدالته الميلُ إلى مظانّ التهم، ومن لا يُعدّلُه دينُه في مزالّ القدم ومواطن التهم فليس عدلاً، والاعتدال افتعال من العدالة، ومن يُزيغه طلبُ حظه، فحقه أن ترد شهادته على العموم، ولكن الذي [تمهّد] (١) في أصل الشرع أن الإنسان لا يثبت حق نفسه بقولٍ يصدر منه، وإن كان أعدل العدول، وليس رد ذلك للتهمة أيضاً؛ فإن الذي هو أعدل البرية ويهون في حقه بذلُ الآلاف في اقتناء المكرمات، وجلب الخيرات، إذا ادّعى درهماً، فيغلب على القلب صدقه، وتنتفي التهمة، ولكنَّ وضْعَ الشرع على أن الإنسان لا يُثبت بنفسه لنفسه حقاً، فإذا تضمَّنت شهادته جرّاً في مسألة جرح الموروث، فهي مردودة لا للتهمة، ولكن لأنه يشهد بجُرح هو مستحق أرشه.


(١) في الأصل: " نُمهّد " (بهذا الضبط).