للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل

قال: " ولا أرد شهادة الرجل من أهل الأهواء، إذا كان لا يرى أن يشهد لموافقه بتصديقه وقبول يمينه ... إلى آخره " (١).

١٢١٣٢ - قال الفقهاء الذين [شَدَوْا] (٢) طرفاً من الأصول: إذا كفّرنا المعتزلة، ومن شابههم من أهل الأهواء، رددنا شهادتهم، وإن ضلّلناهم، لم نرد شهادتهم، والقول في التكفير، والتبرؤ (٣) ليس بالهين، وما ذكره الأصحاب من أن من يكفو تردّ شهادته صحيح، ونقل العراقيون أن الشافعي كفّر من قال بخلق القرآن، وهذا أهونُ بدعة ابتدعها المعتزلة.

وكان شيخي ردّ شهادة الوقّاعين في أعراض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويجعل المتعرضين [لعائشة] (٤) قذفَةً مردودين، فإن منزلتها لا تنحط عن منزلة محصنةٍ من حرائر المسلمين، وقد سماها الله تعالى محصنة، فقال: {الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ ... } [النور: ٢٣].

وأنا أقول: لا سبيل إلى تكفير المعتزلة ومن في معناهم من أهل الأهواء، وقد نص الشافعي في مجموعاته على قبول شهادتهم، وما نقل عنه من تكفيرهم، فهو محرّف، وظني الغالب أنه ناظر بعضهم، فألزمه الكفرَ عن حجاج، ولم يحكم بكفره، وإذا كان كذلك، فسبيلهم في الشهادة كسبيل غيرهم، فينظر إلى العدالة والثقة والمروءة، كما سبق تقريره. وقد قال الشافعي: النفسُ بقَوْلِ من يقول: " الكذب يوجب الخلود في النار " أوثق (٥).


(١) ر. المختصر: ٥/ ٢٥٦.
(٢) في الأصل: " شهدوا ".
(٣) في الأصل: " والتبرّي "، من تبرى، بالقصر. وهو مصدر قياسي.
(٤) تقدير منا مكان كلمة مطموسة تماماً.
(٥) المعنى أن من أهل الأهواء والبدع من يقول بأن الكذب شرك بالله يوجب الخلود في النار، فمثل هذا إذا شهد تكون النفس أوثق بشهادته، فبدعته أكبر رادعٍ له عن الكذب.