للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان شيخي يقول: الاستماع إلى الأوتار في رتبة الصغائر، [والإدمان] (١) فيه مفسّق، وما يندر منه لا يفسق.

وقطع العراقيون ومعظم الأصحاب بأنه من الكبائر، وهذا يوضحه ما قدّمناه من اعتبار العادات؛ فإن كان ما نحن فيه مستقبحاً معدوداً من الفواحش في بعض البلدان، فالهجوم عليه خرمٌ بيّن، واستجراءٌ على ترك المروءة. وإن كان لا يعدّ من الفواحش في بعض البلاد؛ فإذ ذاك يقع النظر في أنه من الصغائر أم من الكبائر؟ فهذا قولنا في الألحان والأوتار.

١٢١٣٧ - وأما الغناء قولاً وسماعاً، فأجمعُ كلامٍ فيه وأحواه للمقصود قول الشافعي، إذ قال: الشعر كلامٌ، حسنه حسن، وقبيحه قبيح، والأمر على ما ذَكر، فلا فرق بين أن يكون الكلام منظوماً أو منثوراً، فكل ما يحرم منثوره يحرم منظومه.

ثم في الشعر وغرضِنا منه ما يُحوِجُ إلى مزيد فكر. ومسلكُ الأصحاب مضطرب فيه: فأما الأشعار التي ليس فيها من المنكر والخنا وفُحش المنطق، والخروجِ إلى حد الكذب، وإنما هي في وصف دِمنٍ وأطلال، وما في معانيها، فهي دواوين العرب، والمُكِبُّ على تحصيلها متوسل إلى حفظ اللغة، وبيان مناظم الكلام، وهو من أشرف العلوم، وكيف لا، وهي الذريعة إلى دَرْك الكتاب والسنة.

ولو فرض ترنمُ مترنِّم بها في إنشادٍ، أو في صنع الحداء، فلا بأس، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصغي إليها، ويطلب إنشادَها، وربما كان يستزيد ويستعيد، حتى رُوي أنه قال لشَرِيد: " أمعك من شعر أمية " (٢)؛ فقال: نعم، فقال: هيهِ، فأنشدته بيتاً، فلم يزل يستزيد حتى بلغت مائة. وقال لابن رواحة:


(١) في الأصل: " فالإدمان ".
(٢) المراد أمية ابن أبي الصلت الشاعر الجاهلي، والشَّريد هو الشريد بن سويد الثقفي والقصة في الإصابة ساقها ابن حجر عند ترجمة الشريد، وذكر أنها من رواية مسلم وغيره (ر. مسلم: الشعر، باب في إنشاد الأشعار وبيان أشعر الكلم وذم الشعر، ح ٢٢٥٥، ابن ماجه: الأدب، باب الشعر، ح ٣٧٥٨، أحمد: ٤/ ٣٨٨، ٣٨٩، ٣٩٠، البيهقي: ١٠/ ٢٢٦، المعجم الكبير للطبراني: ٧/ ٣١٥ ح ٧٢٣٧، الأدب المفرد للبخاري: ح ٧٩٩).