هم الذين أكسبوا الوليَّ صفةَ المحق، ولولاهم، لما تصدى لذلك، وهذا ضعيف، والقياس الحق مع الوجه الأول (١).
ثم إذا لم نوجب القصاص على الشهود، لم نلزمهم غرماً أيضاً، إذا آل الأمر إلى المال؛ تشبيهاً لهم بالممسكين، ومصيراً إلى أن مباشرة الولي على الاختيار تقطع أثر تسببهم.
١٢١٨٠ - ولو قال الشهود: تعمدنا الشهادة كاذبين، ولكن لم نعلم أنه يقتل بشهادتنا، فقد قال الأكثرون: لا قود عليهم.
وهذا فيه نظر؛ فإن من ضرب شخصاً فمات، وكان ذلك الشخص مريضاً يُقصد قتلُه بمثل ذلك الضرب، فقال الضارب: لم أحسبه مريضاً، ولو كان صحيحاً، لكان الأغلب ألا يموت، فهل يجب القصاص والحالة هذه؟ فيه تردد مأخوذ من كلام الأصحاب. فإن قلنا بوجوب القصاص على الشهود في هذه الصورة، فلا كلام، وإن قلنا: لا قصاص عليهم؛ فقد قال الشافعي: عليهم الدية حالّةٌ في أموالهم في الصورة التي ذكرناها. قال صاحب التقريب: الوجه أن تكون الدية مؤجلة عليهم، لأنه بمثابة من يصدر منه القتلُ شبهَ عمد. وهذه المسألة تقرب مما لو قتل مسلماً في دار الحرب على توهم أنه مشرك، ففي وجوب الدية قولان. فإن أوجبناها، ففي ماله أو عاقلته؟ فعلى قولين، وقد مهدت هذا الفصل في كتاب الديات.
١٢١٨١ - ومما يليق بتفريع هذا الفصل الكلامُ في شهود الزنا، وشهودِ الإحصان إذا فرض الرجوع منهم أو من بعضهم، ونحن نذكر في مبتدأ ذلك أصلين - ونفرعّ المسائل عليهما؛ أحدهما - أن شهود الإحصان إذا رجعوا، فهل يغرّمون؟ فعلى قولين: أحدهما - لا يغرمون؛ فإنهم ما شهدوا على موجِب الحد؛ إذ موجِبه الزنا، والإحصان صفات كمال، وعلى نحو هذا اختلف الأصحاب في أنه لو شهد على تعليق
(١) هذا هو الأصح، قال النووي في زياداته: " قلت: لم يرجح الرافعي واحداً من الوجهين، بل حكى اختلاف الإمام والبغوي في الصحيح، والأصحُّ ما صححه الإمام، فهو الأصح نقلاً ودليلاً، والله أعلم " ا. هـ (ر. الروضة: ١١/ ٢٩٨، و (الشرح الكبير): ١٣/ ١٢٥) و (التهذيب: ٧/ ٣٤٧).