فعلى هذا القول " المدعي: من إذا سكت، يترك، والمدعى عليه من إذا سكت، لم يترك ".
والقول الثاني - القول قول المرأة، لأنها تدعي أمراً ظاهراً، وهو ترتب الإسلام؛ فإن إسلامهما معاً يندر، ولا يتفق وقوعه، فعلى هذا؛ المدعي من يدعي أمراً باطناً، والمدعى عليه من يدعي أمراً ظاهراً.
ثم أخذ الإصطخري هذا المسلك في الظهور والخفاء، فردّ دعاوى قبلها كافة الأصحاب، وقال: إذا ادعى رجل من السُّفَّل (١) معاملةَ رجل عظيم القدر في أمر يبعد وقوعه، قال: دعواه مردودة، وهذا كما إذا ادعى الرجل الخسيس أنه أقرض ملكاً مالاً، أو نكح ابنته، أو استأجره لسياسة دوابه، أو ما جرى هذا المجرى، فهذا مردود. والذي ذكره لا تعويل عليه، ولا يسوغ في الدين تشويش القواعد بأمثال هذه الوساوس، ومثل هذا قصد الرسول صلى الله عليه وسلم إذ قال:" لو أعطي الناس بدعاويهم، لادعى قوم دماء قوم وأموالهم ... الحديث ". ووجه التعلق به أن الذي حاذره الرسول صلى الله عليه وسلم ثبوت الدعوى من غير صحة، وأما رد الدعاوي لرعونات الأنفس، فلا سبيل إليه، ثم ما ذكره الإصطخري ردُّ دعوى بظن، وإنما الذي كنا فيه تعيين المدعي والمدعى عليه، وذلك يتعلق بأمارات تغلب على الظنون.
فإن قيل: المودع إذا ادعى رد الوديعة، فليس يدعي أمراً جلياً، فلِمَ جعلتم القول قوله، وأحللتموه محل المدعى عليه مذهباً واحداً. قلنا: إذا ضبطنا المدعى علية بمن لو سكت، لم يترك، لم ينخرم الضبط بمسألة المودَع. وإن قلنا: المدعي من يدعي أمراً خفياً، فسبيل تخريج المودع على ذلك أن الإيداع ائتمان، وحكم الأمانة ثابت شرعاً للمودَع ولا معترض على الشرع، فإذا أنكر المودع الردَّ، فكأنه يُضمِّنه، والأصل أن الأمانة الثابتة لا تزول، وهذا ظاهر الرد، وهو في دعوى التلف أظهر؛ فإن دعوى التلف مسموعة من الغاصب في الرأي الأظهر، وإذا ثبت التلف وحكم الوديعة الائتمان، فلا ضمان.