ادعى ابتداءَ ردِّ أو تجددَ تلفٍ، فإن الملك في الوديعة ثابت للمودِع، غير أن مقامه في الائتمان صدقه فيما هو مدعٍ فيه، والبينة تليق بحال المدعين، وهذا ظاهر لمن تأمل في الفرق بين القاعدتين.
ولو أقام المدعي البينة العادلة، ولم يبق إلا طلب القضاء بموجبها، فللمدعى عليه الآن أن يقيم البينة على إثبات ملك نفسه فيما في يده.
ولو أقام المدعي البينة، ولم تعدَّل بعدُ، فهل للمدعى عليه أن يقيم البينة قبل تعديل بينة المدعي، فعلى وجهين مرتبين على الخلاف المقدم فيه إذا أراد إقامة البتنة قبل أن يقيم المدعي البينة، ولا يخفى وجه الترتيب والفرق.
١٢٢١٥ - ولو لم تتوجه دعوى على إنسان، فاراد أن يقيم بينة على ما في يده ليسجل القاضي له بالملك، فالمذهب الذي عليه التعويل أن القاضي لا يُصغي إلى بينته على هذا الوجه؛ فإن البيّنة تسمع في خصومة، ولا خصومة في هذه الصورة.
وأبعد بعض أصحابنا، فسوّغ سماع بينته للتسجيل له بالملك؛ فإن اليد المجردة لا تدل على الملك.
١٢٢١٦ - ونحن نذكر من هذا المنتهى ما وعدناه في تحقيق المدعي والمدعى عليه، فنقول: قد ذكر أصحابنا أن المدعى عليه من يدعي أمراً ظاهراً، وهذا الكلام فيه مجازفة وتساهل، فإن المدعي في حكم اللسان، بل في قضية المعقول من يطلب أمراً ويدعيه، والمدعى عليه من ترتبط الدعوى به، وهو ينكرها ويأباها، فيخرج [منه](١) أن المدعى عليه لا يتصور أن يقيم البينة من وجه كونه مدعىً عليه؛ فإنه منكِر نافٍ، ولا تقوّم البينة على النفي. وهذا يتلقاه الفطن من فحوى الكلام النبوي، وهو قوله صلى الله عليه وسلم:" البينة على المدعي، واليمين على من أنكر " معناه من نفى الدعوى ورُوي بدل " من أنكر "" واليمين على المدعى عليه "، فالمدعى عليه من أنكر.