ولكن إذا قامت بينة المدعي، فلصاحب اليد أن ينتصب مدعياً، فيكون مع الخارج متداعيين، ويقيم البينة من وجه ادّعائه للملك، ثم سيأتي الكلام في مقتضى البينتين.
ومن ادُعي عليه دين، فليس له إلا مقام المنكرين؛ إذ لا يتمكن من إثبات، فلما تجرد فيه مقام المدعى عليه، لم تقم البينة.
وأبو حنيفة لم يسمع بينة المدعى عليه بناء على مقامه، ولم يعلم أن الدعوى يتصور صدورها منه؛ فإن اليد لا تنافي نسبة الملك إلى نفسه. فآل حاصل الكلام: أن الشافعي أثبت لصاحب اليد مقام المدعين ليقيم البينة. فهذا القدر هو الذي يليق بهذا الموقف.
وإذا أقام المدعي البينة وعُدلت، فالمدعى عليه إن وجد بينة أقامها، والمذهب الظاهر أنه يكفيه إقامة البينة على الملك المطلق كما أقامها المدعي.
وذهب بعض الضعفة من أصحابنا إلى أن المدعي إذا أقام بيّنة على الملك المطلق، لم تسمع من المدعى عليه البينة على الملك المطلق، بل عليه أن يذكر سبب ملكه، ويجب أن تشتمل بينته عليه، وإنما قال هؤلاء ما قالوه لسؤالٍ ارتاعوا منه، لما قيل: بينة صاحب اليد تعتمد ظاهر يده، فكأنها لا تدل على أكثر مما تدل اليد عليه، فحسبوا الكلام واقعاً، وقالوا: يجب أن يقيم صاحب اليد بينةً، ويسند ملكه إلى سببٍ غير اليد.
وهذا ليس بشيء، والمذهب القطع بأن ذلك ليس بشرط، ولو لم يحكِ القاضي هذا الوجه لما حكيته.
١٢٢١٧ - ثم إذا تعارضت البينتان من الخارج والداخل، فتحقيق القول فيهما يقتضي استعجالَ كلام من القسم الثالث، فإذا ادعى رجلان داراً في يد ثالث، ادعاها كل واحد منهما لنفسه، وأقام على وفق دعواه شاهدين، ففي المسألة قولان في الأصل: أحدهما - أن البينتين تتهاتران وتسقطان، والقول الثاني - إنهما تستعملان.
ثم في كيفية الاستعمال -على قول الاستعمال- ثلاثة أقوال: أحدها - القرعة. والثاني