للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والوجه الثاني -وهو مختار المحققين، المحيطين بسرّ هذا الفصل وخاصيته- أن البينة مسموعةٌ، وليس المراد بسماعها أنه يقع بها القضاء للغائب، ولكن لا طريق لمن في يده ملك غيره إلى أن يصرف الخصومة عن نفسه إلا هذا، وليس من الممكن أن يقيم بينة على أن الدار ليست له، وإذا أضافت البينةُ الملكَ إلى الغائب، حصل بذلك غرضُ صاحب اليد، وانصرفت الخصومة عنه، فالطريق في دفع الحلف هذا.

ثم سنوضح أن تلك البينة لا تُثبت ملك الغائب على التحقيق، فعلى هذا لو أراد المدعي أن يحلّف صاحب اليد؛ طامعاً في أن ينكُل، ويحلف هو يمينَ الرد، ويستردَّ الدارَ، لم يمكنه. وتمام هذا الفصل موقوف على نجازه.

والوجه الثالث - أنه إن أقام البينة على أن الدار لفلان الغائب، وهي في يده وديعة أو عارية، فالبينة تُسمع، والخصومة تنصرف عنه في رقبة الدار، فأما إذا لم يذكر لنفسه متعلقاً من إيداع أو إعارة، فلا تُسمع البينة. وهذا اختيار القاضي، وليس يليق هذا بمنصبه؛ فإن السرّ المتبع ما ذكرناه من انصراف الخصومة عنه، ولكن لا وصول إليه إلا ببينة تثبت الملك، والمقصودُ من إثبات الملك للغائب النفي وقطع العلائق.

والوديعة لا تُثبت للمودعَ (١) حقَّ المخاصمة، فلا معنى لاشتراط ادعائها، فإن كانت المسألة على ما وصفناها وسمعنا البينة، فهذه بينة تُسمع، وإن لم تكن للمدعي بينة، وبهذا يتضح أنها ليست ببينة، وإنما الغرض صرف الخصومة إلى الغائب. وكل ما ذكرناه فيه إذا لم تكن للمدعي بينة.

١٢٢٥٠ - فأما إذا كان للمدعي بينة فأقامها، فبيّنته مقدمة (٢)، ويقع القضاء بها، ولكن القضاء على حاضر أم على غائب؟ قال العراقيون: القضاء على الغائب، إذا أقام صاحبُ اليد بينة على أن الملك للغائب، وفائدته تحليف المدعي مع بينته.

ثم لا تعارِضُ بينةُ صاحبُ اليد بينةَ المدعي؛ لأنها ليست بينة على الحقيقة، وإذا قضينا للمدعي، وكتبنا له السجل، أثبتنا في السجل مجرى الحال، وقلنا فيه: إذا


(١) ضبطت خطأ في (ت ٥): " المودع "، (بكسر الدال).
(٢) ساقطة من (ت ٥).