رجع الغائب، فهو على حجته، وهو صاحب اليد، فمهما رجع، رددنا الدار إلى يده، وسمعنا بينته، ثم هو في حضوره يعيد البينة إمّا تيك أو أخرى، ولا يقع الاكتفاء بإقامة صاحب اليد؛ فإنه ما أقامها له وعنه، وإنما أقامها ليصرف الخصومة عن نفسه.
وقد ذكرنا فيما تقدم أن من ادعى داراً في يد رجل، وأقام بينة، وقضي له بالبينة، وأزيلت يد المدعى عليه، ثم وجد المدعى عليه بينة، فهل ترد الدار إلى يده، ونقدره صاحب اليد، على ما تفصّل في تأسيس الكتاب. وهاهنا إذا حضر الغائب، وأعاد البينة، فلا خلاف أنه صاحب اليد، وبينته مقدمة؛ فإنه كان معذوراً بغيبته، إذ جرى القضاء عليه، وحصل بإقامة صاحب اليد الشهودَ عُلقةٌ على حال، وتنبيهٌ على ارتقاب عوده. فخرج من مجموعه ما ذكرناه.
ولو لم يُقم المدعى عليه بينة على أن الملك للغائب، وأقام المدعي بينة، وحلف معها، ووقع القضاء له، فإذا رجع الغائب وأراد إقامةَ البينة، فهو صاحب اليد، كما ذكرناه، لإقرار المدعى عليه له في ابتداء الخصومة، ولكون الغيبة عذراً له.
١٢٢٥١ - ومما يتعلق بتمام البيان في ذلك أن المدعى عليه لو أقام بينة على أن ما في يده لفلان الغائب، وقلنا: البينة مسموعة لصرف الخصومة، فلو لم تكن للمدعي بينة، فقال أحلّف صاحب اليد لينكُل، فأحلف، فأغرمه القيمة، [لم يكن له ذلك، مذهبا واحداً](١)؛ لأن الخصومة قد انصرفت عنه بسبب إقامة البينة.
ولو لم يُقم بينة على أن ما في يده لفلان، فأراد أن يحلفه، فقد سبق الكلام فيه، وهو موضع اختلاف العراقيين وغيرهم، وذلك الاختلاف في رقبة الدار: ففي الأصحاب من قال: يستفيد المدعي بيمين الرد الدارَ. ومن أبى ذلك من العراقيين ذكروا خلافاً في أنه هل يحلّفه لينكل؛ فيحلف، فيغرِّمه القيمةَ؟ فعلى الخلاف المقدم المذكور فيه إذا أقر لحاضر وصدقه ذلك الحاضر. نعم، لو عاد ذلك الغائب، وأقام البينة على ملك نفسه، أو وقع الإقرار لحاضر، ثم لما دارت الخصومة بين المدعي والمقر له، أقام المقر له بينة على ملكه، فلا يملك المدعي تحليفَ المقِر ليغرِّمه؛
(١) عبارة الأصل: لم يكن ذلك مذهباً، والمثبت من (ت ٥).