للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولست أرى الأمر كذلك (١)، بل هذا مناقضٌ لقولنا: لا يختار تشهياً؛ فإن الإجبار يليق بهذا الفن من الاختيار، وهذا كحبسنا من أسلم على عشر نسوة ليختار أربعاً منهن، ولا يمكن أن نحكم على النفوس بأنها تميل إلى آبائها ميلاً جلياً (٢) لا بد منه؛ حتى لا يخلو شخص عن وجدانه ودركه من نفسه، ولست أشك أن هذا لا يعم النفوس مع الجهل والتباس الحال.

فأما إذا ألف الرجل أباه وتربّى في حجره، فذاك إلف وتقليد، وإنّا في التعويل على ما يندر من الميل على تردد، ولا متبع فيه إلا الشرع والتوقيف.

ثم إذا اختار المولود أحدهما، وقع الحكم به، وأرى له محملاً جلياً في قواعد الشريعة، وهو تقارّ المستلحِق والمستلحَق على النسب، ولو استلحق الرجل نسب بالغٍ، فلا يلحقه نسبه ما لم يوافقه، هذا من ذلك الفن، يل هو هو بعينه. وما قدمناه من النزوع إلى نوازع النفس كلام فيما يعتمده المختار، وإلا فالحكم الظاهر المنوط بالاختيار متلقى مما ذكرته.

ولو بلغ الصبي مبلغ التمييز، ولم ينته إلى مظنة التكليف فهل يختار؟ وهل لاختياره حكم؟ فعلى وجهين: أحدهما - أنه يخيّر ليختار، إذا لم يكن قائف، كما يُخَيَّر المولودُ المميز بين أبويه في الحضانة. والوجه الثاني - أنا نصبر إلى أن يبلغ؛ فإن أمر النسب خطير، وليس كالحضانة؛ فإنها مطلوبة في الصغر، ولو أخر أمرها، فيقع الكلام بعد انقضائها؛ على أنا اعتمدنا فيها الخبر والأثر.

١٢٣١٧ - وقد أجرينا ذكر غيبة القائف، والذي يجمب الرجوع إليه عندنا في هذا أن يقال: الاختيار في حكم البدل عن القيافة، فنعتبر في غيبة القائف ما نعتبره في غيبة شهود الأصل عند استشهاد الفروع.

١٢٣١٨ - ووراء ذلك غائلة ننبه عليها الآن، ونقدم أصلاً مقصوداً، فنقول: الولد


(١) كذلك: الإشارة إلى أن الاختيار عند البلوغ يكلون عن جبلّةٍ وطبيعة، لا يخلو منها إنسان، حتى لا يمكن أن يكون اختياره عن وفاق.
(٢) كذا في النسختين، وأراها جبلِّياً، والله أعلم.