مبلغ القيمة اختلافاً مطلقاً، فالقول قول من؟ وذلك لأن من يدعي مزيداً في القيمة، فلا بد وأن يكون مدعياً لزيادة صفة، أو زيادة رغبة، فإن صُدّق ثَمَّ، وجب أن يُصَدَّق فيما نحن فيه.
قالوا: ومن أصحابنا من قال: القول قول الغارم في نفي الصفة الزائدة التي يدعيها الطالب؛ فإن الأصل عدمُها.
ولو ادعى الغارم نقيصةً تنتقص القيمة بسببها، وأنكر الطالب تلك النقيصة، نظر: فإن قال الغارم: كان العبد سليماً في أصل الخلقة، لكن عاب قبل أن أعتق نصيبي منه، فهل يصدَّق هذا الذي يدعي طريان النقصان؟ فعلى قولين: أحدهما - أنه يصدق مع يمينه؛ فإن الأصل براءة ذمته، والقول الثاني - أنه يصدق الطالب مع يمينه؛ لأن الأصل بقاءُ السلامة، قال أئمتنا: هذا من تقابل الأصلين، فإن الأصل من جانبٍ براءةُ الذمة، فبعُد شَغْلُها من غير ثَبَتٍ، والأصل في الجانب الثاني بقاءُ العبد على سلامته، فَبَعُدَ ادعاء النقصان من غير ثَبَت. وهذا أوقع صورة تذكر في تقابل الأصلين.
١٢٣٦٢ - ولا ينبغي أن يعتقد الإنسان أن المعنيّ بتقابل الأصلين تعارضهما على وزن (١) واحد في الترجيح؛ فإن هذا كلام متناقض إذا كنا نُفتي لا محالة بأحد القولين، ونُلحق المسألة بالمجتَهَدَات التي يتعين على المجتهد فيها تقديم ظن على ظن، وحسِب بعضُ الناس من شيوع هذا اللقب أن الأصلين متعارضان تحقيقاً، ولو تحقق ذلك، لسقط المذهبان، وهذا يستحيل المصير إليه، ولو سمى مُسمٍّ كل قولين بهذا الاسم، لم يمتنع؛ من جهة أن من يُجري القولين لا يبتّ جواباً، ولا يعيّن مذهباً، بل يقول إني متردد، والأمران متقابلان عندي، وتقابلهما حملني على التردد، ومن أدى اجتهادُه إلى أحدهما، فلا تقابل عنده، وقد ظهر الترجيح لديه، غير أن مسائلَ معدودة جرت على صورة واحدة، وعلى قضية في التشابه، فسماها الفقهاء باسمٍ لتمييز ذلك النوع عما عداها في التبويب والترتيب.